يشغل الذكاء الإنساني حيزا كبيرا من اهتمام الباحثين في العلوم التربوية والنفسية والبيولوجية, ويقع على المؤسسات التربوية والتعليمية مسؤولية اكتشاف الأذكياء والموهوبين من أبناء المجتمع وتنمية مهاراتهم وقدراتهم.
وقد ظهرت العديد من نظريات الذكاء, تؤكد على أن الذكاء الإنساني يشتمل على قدرات عقلية متعددة مستقلة عن بعضها البعض ,ومن أهمها: ص63)
اولا – نظرية العوامل المتعددة
ذلك ان الذكاء يتكون من مجموعة من العوامل المتعددة او القدرات المتعددة . وطبقا لذلك فان القيام باي عملية عقلية يتطلب وجود عدد من القدرات العقلية التي تعمل متضامنة. وطبقا لهذه النظرية فانه لايوجد ذكاء عام ولكن توجد عمليات عقلية نوعية.
ثانيا – نظرية العاملين لسبيرمان
مؤدى هذه النظرية انه في أي نشاط عقلي يدخل عاملان هما العامل العام الذي يدخل في جميع العمليات العقلية والذي لايوجد بدرجات متفاوتة عند الافراد، وهناك عامل خاص بكل عملية عقلية معينة فالنشاط الذهني في الرياضيات مثلا يتطلب قدرا معينا من العامل العام وقدرا اخر من العامل الخاص ، وهو عبارة عن قدرة الفرد في مجال الرياضيات.
أي انه وبصورة اخرى كل عملية عقلية تتأثر بعاملين احدهما عامل عام يشترك في كل العمليات العقلية الاخرى ،والاخر خاص يختلف من عملية الى اخرى. أي ان هناك عاملا عقليا عاما يتدخل في حفظ المحفوظات وحل المسائل الحسابية وتخيل منظر عند قراءة رواية .
ولكن هناك لكل من هذه العمليات عامل عقلي خاص بها دون غيرها.
وتبعا لهذه الراي فان جميع اختبارات الذكاء تشترك في العامل العام، وهذا يفسر وجود ارتباطات موجبة بينهما. ولكل اختبار ذكاء ايضا عامله الخاص به والذي لايشترك فيه مع أي اختيار اخر، وهذا يفسر ايضا معاملات الارتباط بين اختبارات الذكاء جزئية (ليست تامة او قريبة من التمام)
ثالثا- نظرية العوامل الطائفية
حاول ( ثرستون ) في بحثه ان يتلافى كثيرا من العيوب المنهجية التي اخذت على نظرية سبيرمان من وحي طبيعة الاختبارات وعددها، وحجم العينة واعمار افرادها. ومعادلة الفروق الرباعية وعيوبها.
ولذا اتبع نفس الخطوات المنهجية التي اتبعها سبيرمان في محاولة منه لتفسير الارتباطات الموجبة التي تظهر بين الاختبارات التي تقيس النشاط العقلي للانسان وهذه الخطوات هي.
1- أعد ستين اختبارا، راعي فيها ان تكون متنوعة، بحيث تمثل قدر المكان مختلف الوظائف العقلية وان يكون كل اختبار منها بسيطا ،فلا يشمل عمليات عقلية متعددة.
2- طبق هذه الاختبارات على عينة من الطلبة الجامعيين، وبلغ عددها 240.
3- بعد تصحيح الاختبارات، اصبح لكل طالب ستين درجة تمثل ستين متغيرا من متغيرات النشاط العقلي. ثم حسب معاملات الارتباط بينها ووضعها في مصفوفه معاملات ارتباط . وقد لاحظ ان معظم الاختبارات ارتبطت بعضها ببعض ارتباطا موجبا، وان بعض هذه الاختبارات ارتبط بعضها ببعض اكثر من ارتباطها ببعض الاخر.
4- اخضع مصفوفة المعاملات الارتباطية لطريقة جديد ة في التحليل العاملي عرفت باسم الطريقة المركزية ، ثم اتبعها لتدوير المحاور.
فتوصل بذلك الى مجموعة من العوامل الطائفية مفهوم احصائي المستقلة والمسئولة عن الارتباط العالي بين بعض الاختبارات
وقد استطاع (ثيرستون) ان يفسرها تفسيرا نفسيا وسماها بالقدرات العقلية الاوليةوهي:
1- القدرة على الفهم اللفظي. تظهر هذه القدرة في الاداء العقلي الذي يتميز بمعرفة معاني الالفاظ المختلفة، وخصوبة التعبير اللغوي الذي يتصل بالافكار والمعاني.
2- القدرة على الطلاقة اللفظية. تظهر في الاداء العقلي الذي يتميز بالطلاقة في استخدام الالفاظ ، ويدل على المحصول اللفظي الذي يستعين به في حديثه وكتابته.
3- القدرة العددية. في كل نشاط عقلي يتميز بسهولة وسرعة ودقة في اجراء العمليات الحسابية الرئيسية وهي الجمع والطرح والضرب والقسمة.
4- القدرة المكانية. تظهر هذه القدرة في الاداء العقلي الذي يتميز في التصور البصري للعلاقات المكانية وحركة الاشكال المسطحة والمجسمة.
5- القدرة على السرعة الادراكية. تظهر هذه القدرة في الاداء العقلي الذي يتميز بسرعة ودقة وادراك التفصيلات والاجزاء المختلفة
6- القدرة على التذكر. هذه القدرة في الاداء العقلي الذي يتميز في التذكر المباشر للالفاظ والاعداد والاشكال.
7- القدرة على الاستدلال. وتظهر في صورتين .الاولى القدرة على الاستدلال الاستقرائي وهي تبدو في الاداء العقلي الذي يتميز باستنتاج القاعدة العامة من جزئياتها وحالاتها الفردية. والثانية القدرة على الاستدلال الاستنباطي وهي تبدو في الاداء العقلي الذي يتميز باستنباط الاجزاء من القاعدة العامة.
وهكذا يرى (ثيرستون) انه يمكن تحويل النواحي المختلفة للنشاط العقلي الى عدد قليل من العوامل الطائفية، التي تدخل في العديد من مظاهر السلوك الانساني. وبذلك انكر ثيرستون وجود العامل العام الذي يوجد في جميع مظاهر النشاط العقلي .وارجع ظهور هذا العامل العام في بحوث سبيرمان الى اخطاء في العينة وطبيعة الاختبارات.
كما انكر ايضا وجود العوامل الخاصة او النوعية ، وقد فسر ظهورها بطبيعة الاختبارات التي استخدمت في الدرا سة. ويؤكد ثرستون استقلال هذه العوامل او القدرات بعضها عن بعض أي ان معاملات الارتباط بينهما تكون نظريا صفرا. الا ان النتيجة ليست كذلك عمليا. اذا يوجد بينهما بعض الارتباط.
رابعا: نظرية التنظيم الهرمي
وتعتمد هذه النظرية على الاسلوب الارسطى في التصنيف، وهو الاسلوب الذي يعتمد على التعرف على الفئات وعلى الفئات داخل الفئات، ويترتب على ذلك ان يصبح ا سلوب التصنيف كالشجرة المعكوسة جذورها الى اعلى واغصانها الى اسفل. وفيه افتراض وجود مستويات عديدة من العوامل فكلما ازداد المستوى الذي يوجه فيه العامل علوا كانت طبيعته اكثر اتساعا وكان مدى الاداء الذي يتضمنه اكثر شمولا.
خامسا : نظرية العينات لتومسون
يرى تومستون ان العقل يتكون في جوهره من القدرات وصلات عقلية او اقواس عصبية ، تتجمع بطرق شتى لتكون اوجه النشاط العقلي المختلفة (القدرات) ويرى كذلك ان كل اختبار يمثل عددا معينا من القدرات فبعضها يمثل عددا كبيرا من القدرات . وبعضها يمثل عددا قليلا منها . فاذا طبق عدد كبير من الاختبارات على مجموعة كبيرة من الافراد لظهرت ارتباطات موجبة بين هذه الاختبارات لانها تتضمن عددا كبيرا من القدرات المشتركة وهذا ماوجده سبيرمان وسماه العامل العام . غير ان هذا العامل العام وفق راي تومسون ليس الا اشتراك هذه الاختبارات في عدد كبير من القدرات الاولية البسيطة والتي سماها تومسون الوصلات العقلية.
ومن الممكن في راي تومسون ان يتضمن اختبار ما قدره معينة تظهر فيه وحدة ولاتظهر في مجموعة الاختبارات الاخرى فتظهر في التحليل العاملي كقدرة خاصة . وهذا ماعبر عنه سبير مان بالعامل الخاص.
وهكذا نجد ان تومسون لاينكر وجود العامل العام والعوامل الخاصة ولكنه يختلف عن سبيرملن في تفسيره لمعنى العامل العام طبقا لنظريته في التكوين العقلي والتي تقوم على فكرة مؤداها ان أي نشاط عقلي معرفي يعتمد على عينة من النشاط الكلي العام للعقل البشري. وقد يمتد نطاق هذه العينة حتى يستغرق كل هذا النشاط، وبذلك يصبح العامل عاما. وقد يضيق مجاله حتى يصبح قاصرا على فئة محدودة من مظاهر ذلك النشاط فيصبح العامل طائفيا .وقد يصبح مقصورا على مظهر واحد من مظاهر ذلك النشاط فيسمى العامل خاصا.
اذا لاينكر تومسون في صياغته لنظرية العينات فكرة العامل العام ولا يغالي في تاكيد وجوده. فالعامل العام بهذا المعنى هو احد الاحتمالات الممكنة لاتساع نطاق حتى يستغرق جميع نواحي النشاط العقلي.
وهذا هو جوهر الخلاف بين نظرية العاملين ونظرية العينات. فحينما تستغرق الاختبارات جميع اوجه النشاط العقلي باكمله هنا تكون العمومية الاختبارية مطابقة للعمومية العقلية ويظهر العامل العام العقلي .ولكن من الممكن ان يظهر العامل العام بين الاختبارات فقط في نفس الوقت الذي لاتستغرق فيه تلك الاختبارات كل اوجه النشاط العقلي فيصبح لدينا عامل عام اختبارات وليس عقليا.
أي ان عامل سبيرمان العام كما يراه تومسون نسبي في عموميته لاعتماده المباشر على عدد اختبارات البحث وما تشمله من نشاط عقلي فهو اذن طائفي بالنسبة للعقل وعام بالنسبة للاختبارات التي تسفر عنه.
وهكذا نرى ان نظرية العينات تؤكد العام . الطائفية ، وتفرق بين العمومية العقلية والعمومية الاختبارية. فهي لا تؤكد او تنكر وجود العامل العام. وانما تقر بوضوح ان هذا العامل العام هو احد الاحتمالات الممكنة لتفسير النشاط العقلي بشرط ان تستغرق في تحليلها جميع نواحي هذا النشاط.
ومما هو جدير بالذكر ان نظرية العينات ظلت مجرد تصور نظري لايوجد مايدعمه من النتائج التجريبية على الرغم مما بذله تومسون من جهود لدعمها بالاسس الرياضية الاحصائية على اساس افتراض معاملات الارتباط الموجبة بين الاختبارات العقلية وهو الافتراض الاساسي في نموذج سبيرمان.
سادساً : نظرية العوامل الثلاثة لبيرت
تهدف هذه النظرية الى التوافق بين نظرية العاملين ونظرية العينات وهي لذلك تؤكد العامل العام الاختبارات الذي دلت عليه ابحاث سبيرمان وتؤكد العوامل الطائفية التي دلت عليها ابحاث تومسون، وتؤكد ايضا العوامل الخاصة التي دلت عليها نظرية العاملين ونظرية العينات، ولذا فهي تسمى بنظرية العوامل الثلاثة، لتعنى بذلك العوامل العامة، والطائفية، والخاص.
وفي حقيقة الامر هناك ابحاث عديدة ادت الى ظهر نظرية العوامل الثلاثة من اهمها ابحاث كاري، بيرت كيللي هوليزنجز .
هذا ويرى بيرت ان النشاط العقلي في اختبار معين متعدد النواحي يمكن ان يعتبر نتيجته محصلة اربع مكونات هي:
1- المكونة التي تميز جميع الصفات وتشترك فيها جميعا.
2- تلك التي تميز بعض الصفات.
3- تلك التي تميز الصفة المعينة التي وضع الاختبار لقياسها.
4- تلك الصفة المعينة كما قيست تحت الشروط الخاصة التي قيست فيها.
ومعنى ذلك انه يمكن تحليل أي نشاط عقلي في اختبار معين الى اربعة عوامل هي:
اولا: العامل العام التي تشترك فيه جميع الاختبارات التي طبقت وهو هذه القدرة العقلية العامة أي الذكاء العام .
ثانيا: العامل الطائفي الذي تشترك فيه مجموعة من الاختبارات من حيث الشكل او الموضوع اوكلاهما معا وهو الذي نسميه عادة بالقدرة الطائفية.
ثالثا: العامل النوعي الخاص باختبار معين من حيث ان هذ ا الاختبار يختلف في تكوينه ومادته او في موضوعة عن أي اختبار اخر.
رابعا: عامل الصدفة والخطا الذي يرجع الى مختلف الشروط التي اجرى فيها الاختبار والتي يمكن السيطرة عليها.
والواقع ان وجهة النظر هذه التي ذهب اليها بيرت في كتاباته ا لمبكرة هي التي يتفق عليها الان جميع علماء النفس في القياس العقلي. فثرستون مثلا وهو زعيم مدرسة التحليل العاملي المتعدد التي كانت تنادي بوجود العوامل الطائفية فحسب، يسلم بوجود العامل العام ذلك لانه لاحظ في اعماله المتاخرة عن العوامل الطائفية التي ينتهي اليها من تحليله لمصفوفات معاملات يوجد بينها ارتباط موجب فلما طبق طريقة في التحليل العاملي على هذه العوامل الطائفية، وجد ان بينها عاملا مشتركا هو القدرة العقلية العامة.
ولاشك ان طومسون وهو صاحب نظرية العينات، وكان من اكبر المعارضين لنظرية العامل العام كما صورها سبيرمان, حيث يوافق على هذا الوضع للمشكلة ويسلم بان النشاط العقلي نتيجة هذه العوامل الاربعة.. فالوضع الاخير الذي يتفق عليه علماء النفس الان فيما يختص بالنشاط العقلي هو التسليم بوجود العامل العام، وعوامل طائفية وعوامل نوعية, يضاف اليها جميعا الصدفة او الخطأ.
ا. د. محمود داود الربيعي/ كلية المستقبل الجامعة/ قسم التربية البدنية وعلوم الرياضة – العراق