البيئة الرياضية الآمنة

ان المجال الرياضي يوفر كثيرا من الفرص للأفراد الذين يحبون العمل مع الأطفال والكبار ويميلون الى ممارسة مختلف الألعاب والنشاطات الرياضية , ويتمتعون بالعمل في الهواء الطلق او في صالات الألعاب المغلقة او حمامات السباحة , ويرغبون في خدمة الانسانية, ويحيون حياة نشيطة و سليمة, وكل فرد يعمل في المجال الرياضي, او يود الالتحاق به كمهنة له ان يفهم بوضوح معنى الرياضة, هذا الميدان التجريبي وأوجه النشاطات التي تشكله والمؤهلات اللازمة للشخص الذي يقوم بهذا النوع من العمل, والفرص المتاحة, والاعداد المطلوب, والمسؤوليات المتضمنة, فمثل هذه المعلومات تساعد الفرد على ان يفهم فهما كاملا الدور الذي يمكنه القيام به في هذا المجال الحيوي والمهم لجميع أبناء المجتمع.
والملاحظ اليوم، في العديد من البلدان تمثل الرياضة والبيئة مفهومان أساسيان في الحياة العامة للناس جميعا كونهما يساهمان في رسم خارطة الطريق للاثنان بدون تميز او نكران للدور ولما تمنحه البيئة والرياضة لهم من بهجة وسرور وسعادة وفرح، ويناقش العلماء المسألة مع أصحاب القرار والنفوذ والسلطات والهيئات والمجالس والمنظمات وجمعيات البيئة والرياضة, ويقولون ان المؤتمرات الدولية التي أقيمت وضعت أجندة للحوار البيئي ورسمت السياسات للبيئة المحلية والوطنية بمساعدة الرياضة وبرامج الترويج الدعائية التي مررت عبر نافذة الرياضة، وبينت العديد من الجمعيات العالمية المحترفة التركيب الطوعي ليشمل المسائل البيئية وعلاقاتها بالجماهير، ولو نظرنا الى اللجنة الاولمبية الدولية (IOC) فأنها تعاونت مع برنامج البيئة للأمم المتحدة (UNEP) الذي أقيم عام 1995 بعنوان المؤتمر العالمي للرياضة والبيئة، وتبين من توصيات ذلك المؤتمر ان البيئة أصبحت تمثل بالرياضة والثقافة. وقد تمخض تشكيل لجان وفرق للعمل في المجالين البيئي والرياضي.
ان ضمان توفير بيئة آمنة وداعمة للرياضي من أجل ممارسة رياضته يمثل أولوية قصوى. فمن المهم أن يشعر الرياضي بالراحة في تقديم أفضل ما لديه وتحسين إمكاناته. لذلك تم اتخاذ عدة خطوات مهمة في العقود الأخيرة من أجل توفير بيئة رياضية آمنة للرياضيين, ولطالما كانت حمايتهم من أجل ضمان قدرتهم على التدريب والمنافسة في بيئة محمية وآمنة أمرًا مهمًا، و احتلت صدارة المحادثات بين مختلف المؤسسات الرياضية في السنوات الأخيرة, لكونها تمكّن حماية الرياضيين من تقديم أفضل ما لديهم، وهذا ما سعت اليه جميع الجهات ذات العلاقة بالرياضة جاهدة لتحقيقه منذ البداية وتواصل العمل من أجل تحقيقه على أساس يومي. و يمكن لكل فرد أن يقرأ عن تنفيذ مبادرات توفير رياضة آمنة أطلقتها اللجنة الأولمبية الدولية وتأثيرها على الحركة الأولمبية العالمية.
ان الاهتمام بالبناء التركيبي للبيئة المحيطة بالرياضيين يعني في المقام الاول عدم اختلالهم نتيجة للمثيرات غير المرتبطة بالواجب الذي يؤدوه ,لأن بعض آثار بيئة اللعب بمثيراتها المختلفة وتأثيراتها المتعددة على أداء الرياضيين تلعب دورا كبيرا خلال الأداء التنافسي اثناء ظروف المباريات البيئية , اذ تتداخل عناصر عديدة تعمل كمؤثرات اضافية على الرياضيين بخلاف ما اعتادوه اثناء التدريب, لذا وجب مراعاة تركيب البيئة المحيطة بالأداء والتعرف على آثارها المختلفة على الانجاز. ويجب على الرياضيين ان يوطنوا أنفسهم مع متطلبات هذا الانجاز, وأن يقوا وينشطوا من قوى الدوافع والسيطرة لديهم. وضرورة التأكد من عدم وجود مثيرات اخرى مشتتة بالبيئة اثناء عرض او أداء المهارة, لأن مجرد تواجد اشخاص آخرين بالبيئة المحيطة يتسبب في حدوث التغيرات في انجاز الرياضي وخاصة انجاز الدقة.
ويترتب على الرياضيين أن يعتبروا حماية البيئة الطبيعية والحفاظ عليها مسؤولية أساسية، وأن يمارسوا الرياضة بطرق لا تضر بقيمها الأصيلة وبالنسيج الثقافي والاجتماعي للمجتمعات المضيفة، وأن يدركوا أن ممارسة “الألعاب الخضراء” هي مساهمة في تحقيق هدف الاستدامة البيئية. وجدير بهم أن يلتزموا بمبادئ ايكولوجية لحماية الاراضي التي تستضيف المرافق والأنشطة الرياضية، وتعزيز العمل الجماعي والاحترام المتبادل والشعور بالتفوق النظيف الذي يميز الرياضة.
ومن أجل حماية صحة الرياضيين وأدائهم، يجدر في المقام الأول أن يكون الهواء والماء داخل المرافق الرياضية وخارجها سليمين ونظيفين قدر الامكان. وهذا يستوجب اختيار المواقع والأوقات التي يكون فيها تلوثهما في حده الأدنى، والعمل مع السلطات المحلية لاتخاذ الخطوات اللازمة للتقليل من هذا التلوث. ويمكن الحد من إفساد الهواء الداخلي بفعل ملوثات ومهيجات مثل المذيبات ، ودخان السجائر وغيرها. ويجب أن يكون الماء داخل المرافق الرياضية، ومنها أحواض السباحة، سليماً من الأمراض المعدية وغير محمل بكميات كبيرة من المواد الكيميائية التي تعرض صحة الرياضيين للخطر.
وبما ان الرياضة ترتبط بالطبيعة بوشائج حميمة، فالبيئة الصحية ضرورية للرياضة الصحية وهذه العلاقة الحميمة مع الطبيعة هي التي تدفع الكثير من الرياضيين وتلهمهم على الحفاظ على بيئتهم, ومن ناحية أخرى فان البيئة غير الصحية تقتل في الأفراد دافع المواظبة على الرياضة بل يمكن ان تؤثر على مدى ملائمة مكان او حدث رياضي بعينه. فالرياضة في مجتمعاتنا لها وظيفة تأثير أساسية على الجماهير وتغيير سلوكهم وتوجههم من خلال توفير حماية للإنسان وديمومة فعاليته وتوفر صحة جيدة ولياقة بدنية عالية، وتوفر الاتصال الجماهيري المباشر والفرص المتعددة في استثمار الطاقات الشابة؛ لكن اذا لم نأخذ مسالة الرياضة والبيئة بجدية فيمكن ان تمثل الرياضة ضررا واضحا على البيئة من ناحية الإساءة الى المرافق العامة والآلات والعجلات والمركبات بصورة لا تناسب البيئة.
ويمكن للبيئة والرياضة ان تغيير عادات وتصرفات المجتمع لأن مدخلات الرياضة كثيرة ومخرجاتها واضحة يجب توظيفها لخدمتهم من خلال برامج ومشاريع تديم الجمال والسلام والخضار والسعادة والنظافة وتأهيل المناطق والساحات المرافق العامة وزيادة الوعي المجتمعي وزيادة عدد النوادي الرياضية والترفيهية وإيجاد حدائق ومناظر جذابة وخلابة تسعد المواطن. و لابد ان نعزز روابط الاتصال بين البيئة والرياضة, ونعطي اكبر ميزانية على القضايا البيئية والرياضية لأنهما يسهمان في تقليل نسب الأمراض وتوفير الإنسان السليم. وتساهم الرياضة في زيادة عائدات الواردات المالية وتوفير دخول إضافية واحتياطي مالي كبير من خلال الفعاليات والأنشطة والبرامج التي يشارك فيها المواطن، وبدورها تمنح حياة جديدة وازدهار دائم وأعمال إضافية وتقضي على البطالة بإيجاد فرص عمل وتوفير أجيال ناضجة وواعية بأهمية البيئة و الرياضة، فالبيئة تساهم في تعزيز أشكال التطور الرياضي التي تناسب الطبيعة والبيئة, وتوفر وتحسن وتؤمن الفرص الرياضية والمشاريع البيئية التي تخدم الإنسان والبلد.
ان الرياضة تقدم الكثير من الدروس الحياتية القيمة، وجميع الرياضيين يبدئون من نقطة الانطلاق نفسها من اجل العمل جميعًا لتحقيق نفس الأهداف ويحاولون إظهار أفضل القدرات التي يملكونها. ومع ذلك، فإن عدم الاهتمام بالبيئة الرياضية قد يؤثر سلبًا على كل الجهود المبذولة لتحقيق تلك الأهداف, لكونها قضية في غاية الأهمية بالنسبة للرياضيين الأبطال , الذين يعدون قدوة للرياضيين الحالين وكذلك للرياضيين القادمين, ويشمل أيضًا تجسيد ما يعنيه أن تكون رياضيًا نظيفًا. وتساعد في نشر المعرفة بمخاطر البيئة غير الآمنة وزيادة الوعي حول هذا الموضوع.
ان معظم الرياضيين يتطلعون إلى تمثيل رياضتهم، وبلدهم، وذاتهم، ولذلك إذا لم يهتموا بزيادة الوعي باستمرار حول اهمية البيئة الرياضية الآمنة، فقد تكون العواقب وخيمة. وتبقى التوعية وسيلة في غاية الأهمية كالمعتاد. فلا غنى عن توفّر متخصصين يشرحون للرياضيين ما يجب عليهم فعله وما يجب تجنّبه في الرياضة. وجعلهم جميعًا يعملون بجد كي يناضلوا ويسعوا وراء شغفهم، و أن يعبّر أداؤهما الرياضي عن قدراتهم الحقيقية. ولكن عدم الاهتمام بالبيئة الرياضية الآمنة يسلب هذه الأصالة، ولهذا على الجميع تجنب ارتكاب أي أخطاء, و بصفتهم رياضيًين تقع على عاتقهم مسؤولية حماية رياضتهم ومسيرتهم المهنية.
وتأسيسا على ما تقدم فأننا بأمس الحاجة الى دراسة البيئة الرياضية الآمنة و تحقيق متطلباتها في المؤسسات الرياضية بوصفها مكونا رئيسا من مكونات المجال الرياضي وعليها تتوقف جودة عملياته , وهذا ماكنا نصبوا اليه, ونأمل ان يكون محققا لما نرجوه في الحصول على نتائج ومخرجات جيدة لمؤسساتنا الرياضية, لأن الحاجة أصبحت ماسة للبحث عن سبل لجودة أدائها , وباتت ملحة لإرضاء الرياضيين ومتطلباتهم, وأن ذلك يتوقف على جودة البيئة الرياضية الآمنة ومخرجاتها, فإذا نظرنا الى الرياضة على كونها استثارة لمدخلات ومخرجات مؤسساتها , فأن جودتها تعني ان تكون هذه المخرجات جيدة ومتفقة مع أهدافها من حيث احتياجات الرياضيين ومتطلباتهم, فكلما زاد شعورهم بالأمان والاطمئنان لبيئة رياضية آمنة وداعمة لهم, سوف يساعدهم في تحقيق الأهداف المحددة لهم, وكلما كانت الانجازات احسن من الهدف المحدد مسبقا شعر الرياضي بالنجاح معتمدا على مدى اجادته للمبادئ الاساسية للعبة, وحسن استعمال المهارات والخطط المتعددة في الوقت والمكان المناسب في بيئة رياضية صحية وآمنة.


ا. د. محمود داود الربيعي/ كلية المستقبل الجامعة/ قسم التربية البدنية وعلوم الرياضة – العراق

شاركونا تعليقاتكم حول الموضوع،،