التعليم الأخضر في العصر الرقمي

ان التعليم الأخضر يركز على متعة التعليم من حيث المكان والزمان، وجاذبية المحتوى، واستخدام استراتيجيات حديثة في التدريس محورها المتعلم، وممارسته أنشطة تعليمية هادفة شائقة ومحببة سواء داخل الصف الدراسي أو خارجه في مناخ تعليمي تسوده البهجة والسرور ويتحرر فيه المتعلم من الرهبة والخوف، ويشعر فيه بمتعة النشاط وبهجة التعلم ولذة التحصيل ونشوة الاستبصار والفهم، وهذا يعني أن التعليم الأخضر يحتاج إلى مجموعة من الاستراتيجيات.

أصبح التعليم الأخضر اتجاهاً متنامياً لدى العديد من الدول، حيث صارت الاستدامة وحماية البيئة من الأولويات الوطنية، وتهدف إلى تعزيز الممارسات المستدامة وإعداد الطلاب لشغل وظائف في المجالات المتعلقة بالاستدامة.

أما التحول الرقمي فهو عملية تبنّي التقنيات الرقمية وتطبيقها على كافة العمليات التقليدية غير الرقمية التي تقوم بها المؤسسات التربوية والتعليمية، والخدمات التي تقدمها، وأنظمة التوثيق الخاصة بها، وذلك بهدف التماشي مع متطلبات العصر الحديث، وتلبية احتياجات المعلمين والمتعلمين المتعلقة بجميع متطلباتهم، حيث يُمكّن التحول الرقمي مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية من تنويع أعمالها، ليتيح لها التطور بوتيرة أسرع وعلى مستوى أكبر مقارنة بالتطور الذي قد تحققه هذه في حال اختارت الإبقاء على أنظمة التوثيق وعملياتها الإدارية التقليدية غير الرقمية.

فلم يعد المتعلمين والمعلمين يرغبون في تلقي الخدمات بالطرق التقليدية، وخاصةً بعد معرفتهم مقدار السهولة واليسر الذي يتمتعون به في العالم الرقمي، فهم الآن ينظرون للخدمات الرقمية كخيارهم الأول والذي على المؤسسات التربوية والتعليمية توفيره لهم. و لزاماً على هذه المؤسسات تبني استراتيجيات التحول الرقمي، وتغيير طرق تقديمها للخدمات وتحويل نماذج الأعمال الخاص بها لتتبنى التكنولوجيا الرقمية، وذلك لتمكين المعلمين والمتعلمين من الاستفادة من خدماتهم في أي وقت وزمان وتقديم تجربة مرضية لهم، حيث أنه يرفع من مستوى العمليات الداخلية، ويحسن من سير العمل.

وبات العالم يدرك أن الكوادر التعليمية هي أساس التنمية، وإن النظر إلى التعليم الأخضر في العصر الرقمي على أنه بوابة للتنمية الشاملة، وإن أساس الرهان على نجاح التنمية في أي دولة أساسه نوعية النظام التعليمي ومستوى كفاءة كوادره المهنية، لأن التعليم يبني رأس المال البشري الذي يعد الأداة الأهم في التنمية الاقتصادية التي تنهض وتلحق بمسيرة التقدم المستدام في الدولة، وهذا ما يجعل التعليم الأخضر في العصر الرقمي بمقام عالٍ يشكل أولوية متقدمة في البناء الاستراتيجي للخطط التنموية للبلد.

ان تقديم رؤية مقترحة لسياسات وبرامج التعليم الأخضر في العصر الرقمي على وفق بعض النماذج العربية والعالمية، يتطلب إطلاق برامج وطنية للتحول نحو التعليم الأخضر في العصر الرقمي وفق خطة زمنية محددة، والتنسيق بين كافة المؤسسات والهيئات التعليمية والتربوية المعنية ، بالإضافة إلى دعمها لهذه التجربة، وتقديم رؤية مقترحة لسياسات وبرامج التعليم الأخضر في العصر الرقمي وفقا لعدد من المحاور كالإصلاح التشريعي والسياسي الذي يمهد للتحول نحوه، ونشر ثقافته وإنشاء منظمة وطنية تدعم التحول نحوه، وتنفيذ برامج وطنية لتعميم تجربة التعليم الأخضر في المدارس والجامعات.

ومن اجل رفع الوعي بالتحول الرقمي في المؤسسات التربوية والتعليمية وجب العمل على الآتي:

  1. تصميم خطة لإعداد القيادات التربوية والتعليمية في التحول الرقمي والتأكد من دعمهم لنجاحها من خلال فهم واضح وشامل لمتطلبات التحول الرقمي واستراتيجية تنفيذه في المؤسسات التربوية والتعليمية.
  2. تصميم خطة تدريبية لرفع مستوى وعي منسوبي المؤسسات التربوية والتعليمية بالتحول الرقمي بناءً على تقييم الوضع الحالي وتحديد المفاهيم المطلوب التوعية بها والمؤسسات الداعمة له في البلد.
  3. عقد ورش عمل لرفع مستوى وعي منسوبي المؤسسات التربوية والتعليمية بالتحول الرقمي واستراتيجيته.

ولدعم رفع مستوى نضج التحول الرقمي في المؤسسات التربوية والتعليمية يجب:

  1. مراجعة تقارير قياس نضج مؤشر التحول الرقمي وتحديد نقاط القوة والضعف وتحليل الثغرات المطلوب استكمالها وأولويات الاستكمال.
  2. تحديد أهداف واقعية زمنية للوصول اليها من مؤشر قياس التحول الرقمي الحكومي.
  3. متابعة تنفيذ مهام خطة تحسين مؤشر قياس التحول الرقمي وتحديد جودة تنفيذها وتوصيات التنفيذ بشكل دوري.

ان التحول الرقمي يساعد في تبسيط العمليات سواء كانت الإدارية او الإنتاجية داخل المؤسسات التربوية والتعليمية ، مما يجعلها أكثر كفاءة وفعالية. وذلك من خلال أتمتة المهام والعمليات المتكررة داخل تلك المؤسسات، فمثلاً يمكن لمؤسسات التربوية والتعليمية إعطاء موظفيها الحرية الكافية للتركيز على المزيد من الأنشطة ذات القيمة المضافة، مثل تطوير التعليم أو خدمات جديدة أو تقديم دعم أكثر قيمة للعاملين فيها.

علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد التحول الرقمي المؤسسات التربوية والتعليمية على تحسين إدارة البيانات وقدرات التحليل بداخلها. فباستخدام الأدوات والتقنيات الرقمية المناسبة، يمكن للمؤسسات أن توفر ذلك أيضاً من خلال العديد من الرؤى القيمة حول سلوك العاملين وتفضيلاتهم واحتياجاتهم، والتي يمكن أن تساعد المؤسسات على اتخاذ قرارات أفضل وتحسين مهامها

أن التحول الرقمي يساعد المؤسسات التربوية والتعليمية في الحفاظ على قدرتها التنافسية في عالم سريع التغير كما نشهد خلال هذه الفترة. فمع استمرار تقدم التقنية وتطور توقعات العاملين، فإن المؤسسات التي تفشل في التكيف تخاطر بالتخلف عن منافسيها. ومن خلال تبني التعليم الأخضر في عصر التحول الرقمي، يمكن للمؤسسات التربوية والتعليمية البقاء في الطليعة والاستمرار في تقديم تعليم افضل لأبناء المجتمع.

في هذا السياق يعد التعليم الأخر في عصر التحول الرقمي ضرورة في المؤسسات التربوية والتعليمية ، حيث يمكنها جذب المزيد من الطلاب الأفضل، وتحسين تجربة الدورات والمواد التعليمية وعملية التدريب بشكل عام. كما تسمح بالمراقبة والمتابعة من أجل الكشف عن عقبات ومعيقات التدريب وتقليل خطر التسرب من مقاعد الدراسة.

ومع ذلك، فإن التردد في فهم واستغلال الفرص للتحرك نحو تحقيق تعليم اخضر في المؤسسات التربوية والتعليمية هذا لا يزال قائماً. كما ومن الضرورة أن يتم التحول الرقمي فيها وفقًا لمسلمات التواصل، لتوحيد التزامها بتلبية توقعات مختلف المجموعات ذات الاهتمامات بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. هذا بالإضافة إلى أن التحول الرقمي يمتلك القدرة على قيادة التعليم العملي والإبداعي، ويعمل على تضمين نماذج تعليمية جديدة للطلاب والتدريسيين وللعملية التربوية والتعليمية برمتها، كما ويراهن على الإبداع وريادة الأعمال، حيث أنه يمثل فرصة لزيادة التغطية التعليمية والإنتاجية للمؤسسات التربوية والتعليمية.


ا. د. محمود داود الربيعي/ كلية المستقبل الجامعة/ قسم التربية البدنية وعلوم الرياضة – العراق