المكونات السلوكية لمفهوم التحكم الذاتي

اختلف الادب النظري في تحديد المكونات السلوكية للتحكم الذاتي، اذ حدد كل من ليبرت وسبيجلر (Libert & Spigler (1970 ان التحكم الذاتي يتضمن (مقاومة الاغراء، تحديد المعايير الذاتية، التعزيز الذاتي، تأجيل الإشباع)، واقترح كانفر (Kanfer (1980 مخططاً للتحكم الذاتي تضمن (مراقبة الذات، التقويم الذاتي، التعزيز الذاتي) (الخفاجي، 2002: 13). ومن اهم المكونات السلوكية للتحكم الذاتي هي:

1- تأجيل الاشباع Delay of Gratification

يشير تأجيل الاشباع الى قدرة الفرد على تأجيل او تأخير المكافأة الفورية من اجل الحصول على مكافأة مرغوبة مؤجلة تكون اكثر قيمة، وهو سلوك يدل على صحة الفرد النفسية (Simons – Morton & et. al., 2005: 228). كما انه يعطي مؤشراً واضحاً على المستوى العالي من التحكم بالذات والذي يمارسه الطالب في حياته اليومية, خاصة عندما يتعلق الامر باتخاذ القرارات على المستوى الشخصي عندما يواجه إغراءات سلبية سواء في المنزل او المدرسة، وقد اشار هيرندون وستيفن (Herndon & Stephen (2008 الى ان تأجيل الاشباع يمكن النظر اليه على انه مهارة يمكن للفرد تنميتها بمرور الوقت، وقد أشارت الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة ايجابية بين قدرة الطالب على تأجيل الاشباع وبين تحقيق الكفاءة الاكاديمية, فالقدرة على تأجيل الاشباع له اهمية كبيرة في احراز التفوق الدراسي وتحقيق المستوى المرتفع من الأداء (Herndon & Stephen, 2008: 4- 12).
وفي دراسة تنبؤية قام بها ميتشل وآخرون (Mischel & et. al., (1988 على مجموعة من الاطفال في سن ما قبل المدرسة تم تدريبهم على تأجيل اشباع بعضاً من رغباتهم، وبعد مرور اكثر من (10) اعوام ومن خلال تقويم والديهم لهم وجد ان هؤلاء الاطفال عندما اصبحوا في سن المراهقة كانوا اكثر كفاءة اكاديمية واكثر اتزاناً وعقلانية وطلاقة لفظية، كما انهم اصبحوا اكثر قدرة على التعامل مع الاحباط والاجهاد النفسي (Shoda & et. al., 1990: 978). فالقدرة على تأجيل الاشباع تعد مصدراً من مصادر السيطرة على السلوكيات الضارة والتي يزداد حدوثها في مرحلة المراهقة مثل التدخين وشرب الكحول والسلوك العدواني، والتي يشير علم الاعصاب التطوري Developmental Neuroscience الى اسباب زيادة حدوث مثل هذه السلوكيات الضارة خلال هذه المرحلة مرجعه على وجه الخصوص الى زيادة اطلاق الدوبامين في مراكز المكافأة تحت القشرية في الدماغ وبالتالي تشجيع او جذب المراهق للقيام بمثل هذه الخبرات الجديدة والمثيرة بشكل فوري (Romer & et. al., 2010: 319).
ان تأجيل الاشباع ومقاومة الاغراء صيغت تقليدياً على انها وجه من أوجه الأنا، فقد أشار بيترسون وميتشل Petterson & mischael إلى ان خطة التوجيه الذاتي لتأجيل الاشباع هي الأكثر فاعلية في تسهيل عملية التحكم بالذات لدى الفرد وهي يمكن ان تمنع الانتباه من ان يتوجه نحو الإغراءات (الخفاجي, 2002:16).

2- قوة الارادة will power

يتعلم الانسان كيفية التحكم في سلوكه وهذا وضح الدور الكبير للإرادة، فنجد ان الفرد دائماً يحاول تحقيق اهداف معينه، فاذا كانت هذه الاهداف بسيطة مثل التغلب على الجوع بأن يأكل او العطش بأن يشرب كوباً من الماء, فهذه الافعال لا تظهر ارادته الحقيقية, واذا ما كان الهدف صعب المنال نسبياً لوجود عوائق او مشكلات، فان ذلك بتطلب جهداً وفيراً يعكس قوة الارادة، فالإرادة هي ذلك النشاط الذي يظهر في افعال الفرد الواعية الموجهة نحو الوصول الى اهداف خاصة يتطلب تحقيقها التغلب على عوائق وصعوبات تمنعه من الوصول اليها (كامل، 1994: 287).
وتؤدي الارادة دوراً في تعلم الطالب، ذلك انها تحفزه للأداء الجيد وتدفعه لتحقيق النجاح, فتعلم مهارة معينه يتطلب صبراً والارادة هنا تؤثر وتتأثر في انماط السلوك ونماذجه وتشكل عاملاً كبيراً في الوظائف النفسية المختلفة (Rae, 1991: 151). كما انها تعد سمة من سمات الشخصية تمكن الطالب من الاستمرار في محاولاته لتحقيق اهدافه والتغلب على العقبات، وهي تتطلب التكيف والمرونة في المواقف المختلفة والانشطة المتنوعة لتنمية الافكار وزيادة المثابرة والنشاط (Coming, 2007: 29). وترتبط الارادة بفعالية الذات ارتباطاً وثيقاً، ووفقاً لباجارس (Pajares (1996 فالطلبة ذوي فعالية الذات العالية يستعملون كثيراً استراتيجيات معرفية واستراتيجيات ما وراء معرفية ويثابرون ويواصلون العزم مدة اطول في تعلمهم (Pajares, 1996: 552). ويرى فان (phan (2009 ان قوة الارادة والجهد المبذول في عملية التعلم يمكن ان يلعباً دور الوسيط في انجاز الطلبة الاكاديمي، اي ان درجة الارادة- الجهد يمكن ان تقود الى الدافع للإنجاز, وهي ايضاً تؤكد ان استراتيجيات ما وراء المعرفة والمثابرة تعد افضل منبئ لإنجاز الطلبة (phan, 2009: 933).
وطبقاً لباندورا (Bandura (1986 فان الفرد قد يفقد دافعيته عندما يواجه صعوبات او يفشل في تحقيق اهدافه, وبالتالي ينخفض لديه مستوى الجهود الرامية الى استعمال استراتجيات اخر فاعلة، وهنا ياتي دور المعتقدات الدافعية Motivational Beliefsالتي يحملها الطالب (الفاعلية الذاتية, التحكم الذاتي) مثل هذه المعتقدات المحفزة له قد تقود الى سلوك انجاز من خلال استعمال استراتجيات فعالة، وبالتالي فهي تؤثر على عملية التعلم وتؤدي الى تحسن في بعض السلوكيات بما في ذلك مستوى الاداء وقوة الارادة والجهد المبذول للتعلم (Ghasemizad & et. al., 2011: 124).

3- ملاحظة الذات Self –observation

يشير مفهوم ملاحظة الذات او مراقبة الذات Self- Monitoring الى العملية التي تتضمن ملاحظة وتعقب الفرد لأدائه الذاتي ونواتجه من خلال تسجيل ذلك الاداء (Zimmerman, 1989: 329). ويعني هذا المفهوم قيام الفرد بإجراء ملاحظات لسلوكياته والأسباب التي تؤدي قيام تلك السلوكيات, وايضاً قيامه بملاحظة النتائج التي تترتب على سلوكه، وتقوم ملاحظة الذات على افتراضين هما:

  • ان الافراد لديهم القدرة والتهيؤ لمراقبة وتقويم ذواتهم ومشاعرهم الوجدانية.
  • ان هذه الملاحظة لها تأثير في السلوك الاجتماعي للأفراد والتفاعلات الاجتماعية والتوجهات الفكرية (عبد الهادي, ب.ت: 1-2).

ووفقاً لجانجستد وسنايدر (Gangestad & Snyder, (2000 فانه يوجد نوعان من الملاحظة الذاتية هما: الملاحظة الذاتية عالية المستوى، والملاحظة الذاتية منخفضة المستوى, ففي النوع الاول يقوم الفرد بالاستعانة بملاحظات الاخرين لينظم سلوكه, بمعنى ان الفرد يكون على وعي ويضع في الاعتبار الملاحظات التي تصدر من الاخرين بخصوص سلوكه، وفي النوع الثاني يعتمد الفرد على نفسه فقط في ملاحظة سلوكه, ويعتقد سنايدر ان النوع الاول من الملاحظة الذاتية هو الافضل في تحقيق التحكم الذاتي من النوع الثاني (Gangestad & snyder, 2000: 530- 531).
ويرى هالان وهدسون (Hallahan & Hudson, (2002 ان ملاحظة الذات تشتمل على اجراءات ضبط الذات التي تشجع الطلبة على لعب دوراً اكبر في ضبط برامجهم الاكاديمية والسلوكية الخاصة بهم، بكلمة اخرى فإن ملاحظة الذات هي مهارة يراقب الطلبة من خلالها سلوكياتهم من اجل زيادة القدرة على تنظيم سلوكهم (Hallahan & Hudson, 2002: 2).
ووفقاً لباندورا (Bandura, (1986، فإن تحديد الاهداف يعد احد العوامل الهامة في تعزيز ملاحظه الذات، فالطلبة يرصدون مدى تقدمهم من خلال مقارنة ادائهم مع ما تحقق لديهم من اهداف وان تحقيق الطلبة لأهدافهم من شانه ان يعطي شعوراً بالرضا عن الذات مما يعزز الدافعية والكفاءة الذاتية لديهم, وان ملاحظة مستوى الكفاءة الذاتية في المواد الدراسية التي تم تعلمها يساعد على تقويم مدى فاعلية استراتجيات التعلم التي يستعملها الطلبة (Kobayashi & et. al., 2006 :2).


اعداد: م. د سعاد خيري كاظم / م. م امال عبد الحمزة هادي: جامعة بابل – كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة.

شاركونا تعليقاتكم حول الموضوع،،