يرتبط الرفاه الانفعالي بتعزيز الصحة النفسية في أبعادها الوجد انية والوجودية, وصولاً الى بناء الحياة السعيدة مثل التفاؤل والرضى والسعادة وتحقيق الذات والامل والبحث في بنية وماهية السعادة قد سبق أبحاث الرفاه الانفعالي، فالعواطف والسعادة هي قواعد مفاهيمية أو إدراكية “فطرية أو أولية” (أو هي تشغل الترتيب الاول) في الرفاه الانفعالي للفرد. وفي الوقت الذي ترتبط فيه العواطف والسعادة مع بعضها ارتباطاً وثيقا، فأنها لا تطابق أو تشابه بنية الرفاه الانفعالي.
ان الرفاه الانفعالي له أسسه الفلسفية والنظرية في مفهوم السعادة، فالرفاه الانفعالي يشير الى المشاعر عن الحياة بشكل عام، او قد يكون متعلقاً بمجال معين (على سبيل المثال “مرتبط بالعمل”). وفيما يتعلق بالرفاه الانفعالي، يشير مصطلح “الوظيفة ” الى المهام المحددة التي يقوم بها الأفراد في بيئة معينة، بينما يشير العمل الى الوظائف بشكل عام (Cook et al,1981,p:179)، وان هناك فرقاً بين الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل والرضا الوظيفي إذ يعرّف الرضا الوظيفي بانه “حالة عاطفية ممتعة أو ايجابية ناتجة عن تقييم وتثمين وظيفة أو عمل الفرد أو خبرته الوظيفية”(Arnold,2005,p:258)، وضمن سياق الرفاه يبدو ان الرضا الوظيفي هو الافضل في شرح مدى رضا أو عدم رضا المرؤوس أو العامل عن وظيفته أو عمله مقارنة بنموذج “وار” للرفاه الانفعالي، وهذا يعني ان الرضا الوظيفي له علاقة وثيقة برفاه المرؤوسين أو العاملين في المؤسسات أو الدوائر (Mäkikangas et al,2007,p:213)، وان الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل هو خارجي المنشأ ويشتمل على عوامل مثل: الراتب الشهري، المسؤولية، الزملاء في العمل، المشرفين على العمل، ظروف العمل، امكانية الترفيع في الوظيفة، الأمن الوظيفي، والمنظمة أو المؤسسة ككل، ونوع العمل الذي تم الاضطلاع به (Warr,1987,p:22).
كما ان الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل يجب تمييزه عن الرضا الوظيفي فالرضا الوظيفي يشتمل على عنصر أو مكون موقفي يتأثر بتأثير الفرد ومدركاته في حين ان الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل لا يتعلق الا بتفاعلات الفرد العاطفية مع عمله، وبعبارة أخرى فان الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل يقيس المستوى العام للمشاعر الإيجابية التي يحملها الفرد تجاه وظيفته أوعمله، في حين ان الرضا الوظيفي يتكون من معتقدات الفرد أو أفكاره فيما يتعلق بعمله (Warr,1990,p:198).
هناك تراث طويل من النظرية التنظيمية الذي يؤكد على أهمية الرفاه النفسي واكتساب المزيد من الفهم لسلوك الموظف في سياق العمل ثم يركّز على تطوير التقنيات وكذلك المهارات اللازمة لتعزيز رفاه الموظفين وزيادة الفعالية التنظيمية ويعكس الرفاه الانفعالي الخبرات للتأثيرات الايجابية والتأثيرات السلبية، في حين ان الرفاه النفسي يتكون من عدد من العناصر بما في ذلك الرفاه الانفعالي، والكفاءة، والطموح، والاستقلالية، والاداء المتكامل، والرضا (Ryff&Keyes,1995,p:722)، وتعد مقاييس الرفاه الانفعالي من اهم المؤشرات على الرفاه النفسي، ان لم تكن اهمها على الاطلاق (Diener&Larsen,1993,p:87)، وان مفهوم الرفاه الانفعالي هو مفهوم متعدد الابعاد، ويمكن له ان يوضح الامور الدقيقة والمعقدة والتغييرات في خبرات العمل التي قد لا توضحها المقاييس العامة احادية البعد (Briner,1997,p:68)، وان الرفاه الانفعالي هو مجال محدد ويمكن قياسه من حيث ارتباطه بمجال العمل (Warr,1990a,p:200).
لقد تم بحث الرفاه الانفعالي في العمل بشكل واسع في مجال العلوم التنظيمية كونه يضم مكونات انفعالية وسلوكية ومعرفية ,مثل العاطفة الايجابية والسلبية، والكفاءة، والاداء التكاملي والاستقلالية، ويعد الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل مفهوماً أكثر أهمية من الرفاه النفسي بسبب ارتباطه الوثيق مع العديد من البنى والمفاهيم الخاصة بمكان العمل مثل الرضا الوظيفي , والاحتراق النفسي في العمل، والصراع بين العمل والاسرة، والنجاح المهني والدخل، وان التطور الحاصل في العمل في السنوات الاخيرة قد ولدَ حاجة متزايدة لقياس الرفاه الانفعالي، إذ تحدث تغييرات سريعة هذه الايام وهناك ضغوط أكبر من أي وقت مضى على المنظمات والعاملين للتعامل مع هذه التغييرات ويمكن أن يشعر العامل أو الموظف الذي يعمل بجد ومثابرة بشعور من الرضا والانجاز في عمله (Warr,1990a,p:288).
وبما أن الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل هو الخبرة التراكمية لتأثيرات العمل فأنه عادة ما يتم التعبير عن هذا الرفاه خلال مدة اسبوع أو اسبوعين، إذ انه على مدى هذه الفترة، قد تصبح التجارب والخبرات المستمرة الناتجة من تأثيرات العمل مثل الملل أو التعب مزعجة وغير ممتعة مما يزيد من الارتباط بين هذه الجوانب والجوانب الاخرى بسبب انعدام الشعور بالمتعة الخاصة بالرفاه الانفعالي، لذلك من المتوقع ان ترتبط هذه العوامل مع بعضها البعض باعتبارها عوامل سلبية مؤثرة على الرفاه الانفعالي المرتبط بالعمل (Diener&Larsen,1993,p:83). وان عدد سنوات الخبرة في التعليم تعد مصدراً مثيراً للاهتمام لرفاه المعلمين ويبدو ان الاعداد المتزايدة من سنوات التعليم تفيد في جوانب معينة من الرفاه وقد وجد “كيني وبودولسكي” (Kini&Podolsky,2016) نتائج ايجابية للخبرة الكبيرة في التعليم من خلال ربطها بمدى فعالية المعلم، فالمعلم الفاعل هو الذي يمتلك خبرة اكبر في مجال التعليم.
اعداد: م. د سعاد خيري كاظم / م. م امال عبد الحمزة هادي: جامعة بابل – كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة.