إن فلسفة التربية الرياضية تنطلق أساساً من الفلسفة العامة للمجتمع لكونها تصب مع بقية الفعاليات الإنسانية المختلفة لتحقيق الأهداف التي يسير بموجبها الفرد والمجتمع وهي تخضع بدورها الى عوامل التطور والتغيير الذي يؤثر على المسيرة الإنسانية العامة.
وبما ان الفلسفة تهدف الى معرفة العلل والاسباب والعلائق والروابط بين الاشياء وحقيقتها الوقوف على الغايات من وجود الأشياء، فهي تقدم تفسيراً للوجود والحياة والمبادئ والقيم الموجهة للحياة، وكذلك فأن من اهم واجبات الفلسفة هو الفصل والتمييز بين الاشياء الحقيقية والاعتبارية وبذلك تقدم للعقل امكانية الكشف عن الحقائق وريادة المجاهيل الوجودية والاجابة على الاسئلة التي يثيرها العقل بإستمرار.
اما مفهوم التربية فيعني الوسيلة الاساسية والاسلوب الاجتماعي الذي يكسب من خلاله الفرد طرائق الحياة واتجاهات المجتمع وقيمه العامة وعلى هذا الاساس فأن من اولويات التربية هو تحديد الفلسفة العامة والسياسة التربوية التي تخدم المجتمع وبيان الاساليب التي تحقق الهدف المطلوب ضمن الخطة التنموية العامة للمجتمع، وهذا يقودنا الى اعتبار التربية منظومة فرعيه تدخل ضمن المنظومة الكبرى للمجتمع التي تمتلك نظاماً قيمياً محدداً يخدم الهدف العام لفلسفة المجتمع ككل.
ان مفهوم الرياضة يعني النشاط الحركي الذي يقوم به الانسان لإشباع حاجاته البيولوجية والنفسية لان الانسان بحسب طبيعة خلقه التكويني، كائن حي مصمم ربانياً لكي يتحرك بإستمرار وأن الحركة تمثل له القاعدة والسكون والاستثناء، وعند مخالفته لهذه القاعدة يصيبه الوهن والضعف والمرض، ولهذا فـأن غاية الانسان في سعيه الدنيوي هو الحصول على المنفعة واللذة والسعادة وابعاد كل ما من شأنه تسبيب الالم والشقاء والبؤس عن نفسه، أي طلب الكمال والابتعاد عن النقص ويتجلى هذا السعي في مستويين الاول مادي والثاني معنوي.
ويصب النشاط الرياضي في السبل الموصلة الى اللذة والمنفعة والسعادة مع بقية الوسائل الاخرى، اذا ما ارتبط بمنظومة تشريعية الهية كالشريعة الاسلامية التي تقننه وتحكمه، فهو يؤدي الى الغاية المطلوبة ويحصل الانسان على السعادة والكمال المرتبط بهذا النشاط وسوف تكون النتائج المتوخاة منه طبقاً الى فلسفة الشريعة الاسلامية وغاياتها.
ان فلسفة التربية الرياضية في العصر الاسلامي استندت الى بعدين الاول دنيوي والثاني الاخروي، وهذا البعدان يتداخلان في حياة المسلم، وان كان الاول يخدم الثاني لكن الثاني لايلغي الاول لئلا يقع الافراط والتفريط، وبالتالي تحتل الحياة التي يفترض ان تكون منسجمة ومتوازنة، وهما يساهمان معاً في تربية الفرد والمجتمع ويساعدانهما في التكامل والرقي المادي والمعنوي والحصول على السعادة المنشودة.
ان الفلسفة الالهية والوصفية تشتركان في طلب الكمال عبر وسائل عديدة لكنهما تفترقان في المرتكز والمنطلق والنظرة الفلسفية وتشخيص المصداقية ونلتمس الجوانب المشتركة بين هاتين الفلسفتين في التربية الرياضية من خلال الحصول على القوة المطلقة والتربية الاخلاقية والرقي الروحي والمتعة والترويح، ان فلسفة التربية الرياضية تركز على الحصول على القوة بمفهومها العام بوصفها وسيلة لتحقيق غايات موضوعه سلفاً . اما الاسلام فيشترك مع الاديان السماوية والوضعية في هذا الامر لكنه يختلف عنها ويفترق في الغايات وان اشترك معها في معظم الوسائل حيث نجد ان الاسلام بوصفه منظومة حضاريه الهيه فهو يقر بشكل قاطع ان مصدر القوه الحقيقي ومالكها الاوحد هو الله سبحانه وتعالى “ان ربك هو القوي العزيز” ( سورة هود – الآية 66).
ان تأثير القوه عند المسلم انما يكمن في استجابته الطوعية الفعالة لأوامر الله وتعاليمه وطاعته للرسول والذين امنوا لإقامة الخلافة الربانية في الارض ، كما جاء بقوله تعالى ” ” اني جاعل في الارض خليفة ” (سورة البقرة الآية 30).
ان التأكيد على دور القوة وفق المنظور الاسلامي يهدف الى اعلاء كلمة الله في الارض ويندرج مفهوم القوه في مجال التربية الرياضية ضمن هذا السياق الاستراتيجي ويتصف بصفاته العامة مضافاً اليها خصوصية التربية الرياضية المرتبطة بالمنافسات والبطولات، واهداف اخرى.
وبما ان الاسلام حضارة الهيه فهو يؤكد على ثبات القيم الاخلاقية المرتبطة بالروح ومنها قيم الشرف والعفة التي تتدخل في صياغة الشخصية وتساعد في تكاملها ورقيها، لهذا فلابد ان تعتمد القيم الاخلاقية في المنظومة القيمية للحضارة الاسلامية مرجعية اساسية تستند اليها فلسفة التربية الرياضية عند المسلمين، لان الاسلام لايقر اي نشاط من شأنه الاضرار بالنفس او المال العام والخاص، لكون هذه الامور تعيق الانسان في الترقي والتكامل في الحياة الدنيا. وجاءت تشريعاته لتحرم مثل هذه الامور لفائدة الانسان، وتخدم السعي المأمور به الانسان المسلم ربانياً.
وتؤكد الحضارة الاسلامية على ان الترويح يأتي بوصفه عاملاً مساعداً للإنسان في سياق حركته التكاملية في السعي الحياتي وبناء شخصيته، وهو بحد ذاته مطلب لأجل رفع الضغوط النفسية والبدنية التي يعاني منها الانسان في حياته اليومية، قال امير المؤمنين علي(ع) ” ليس للعاقل ان يكون شاخصاً الا في ثلاث : مرحة المعاشر او خطوة في معاد او لذة في غير محرم ” (نهج البلاغة) .
واكدت الابحاث العلمية الحديثة أهمية مناشط الترويح واعتبارها وسيله من وسائل العلاج الهامه للأفراد الذين لديهم اضطرابات نفسية وعقلية وعصبية، اذ اصبح الترويح جزءاً اساسياً في برامج العلاج في العديد من المستشفيات والعيادات الطبية، وان أي علاج طبي طبيعي لابد ان يتضمن برامج ترويحيه يمارسها المرضى بجانب البرامج العلاجية الاخرى. وكذلك اشارت الدراسات العلمية الى ان للترويح دوراً هاماً وبارزاً في الوقاية من الامراض ومنها امراض القلب والاوعية الدموية والام الظهر والمفاصل وخاصة في مجال النشاط الرياضي.
ان طلب الراحة النفسية والمتعة من خلال ممارسة الانشطة الرياضية الهادفة يعطي الشعور بالسعادة والاطمئنان ويبعد القلق والوساوس ويوفر الاتزان للشخصية ويزيد في شعور الفرد بقيمة الحياة ويبعد عنه اليأس والاحباط والملل ويساعد في شد ازره لبناء الشخصية المتوازنة المطلوبة.
ان المنظور الاسلامي للتربية الرياضية هي عدم تحريمه او معارضته لأي نشاط رياضي للذكور والاناث ما لم يصطدم بالحدود الشرعية التي بينتها الشريعة الاسلامية والتي تهدف الى ترقيه المسلمين افراداً وجماعات لكي يصنعوا الحياة ،ويبنوا الحضارة الحقه المتوازنة. ولهذا اكدت الشريعة الاسلامية على تطوير قدرات المسلمين البدنية والنفسية والصحية لغرض الدفاع عن الدين الاسلامي الذي يتطلب مقدرة جسديه ونفسيه ، وتطوير الجوانب الاخلاقية وترسيخ قيم المحبة والرحمة والتسامح بين الشعوب والامم، وهذا بالإضافة الى الحصول على السعادة والمتعة من خلال ممارسة الانشطة الرياضية وصياغة فلسفة تربوية اسلامية يندرج النشاط الرياضي فيها بوصفه احد وسائلها لبناء الفرد والمجتمع والبلد.
ا. د. محمود داود الربيعي/ كلية المستقبل الجامعة/ قسم التربية البدنية وعلوم الرياضة – العراق