أين التسامح وأين ضمائرنا من الصفح؟
يعتبر التسامح من الفضائل التي حبانا بها الدين الإسلامي, الذي يناشد بالتسامح والعفو كما يدعو الي مسامحة العدو إن جاء مستندا عارفا لما اقترفه من ذنب, فأصبح التسامح من صفات الفرد المسلم… لأنه يحمي العقل والحسد ويعطي النفس التي كانت تأمر بالسؤ فرصة للتوبة وتصحيح الخطأ بالصواب.
أما الآن نجد التسامح قد انحرف من مساره الطبيعي وأصبح البعض بل الأكثرية ينشد الصراعات الطائفية والخلافات المنهجية داخل الأمة وإطلاق لجام الغضب المصطنع بفعل مؤثر خارجي مستفيد دون الالتفاف إلي الله ثم المصلحة العامة.
إن روح التسامح مختنقة في الوطن العربي وأصبحنا كاساقية جحا. أين إن كل تعصب لوطن ما أو قضية ما أو عائلة ما أو كل شيء مما يتفاخر به الناس، ذلك من أمر الجاهلية؛ الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت قدمه في حجة الوداع.
والرياضة شيء مهم يحث عليها الإسلام؛ فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، والقوة والضعف في كل مجال من المجالات؛ والذي يؤسف له في كرة القدم على وجه الخصوص أن الممارسين للعبة بضعة وعشرون فردا. هؤلاء هم الذين يمارسون الرياضة يصولون ويجولون في الملعب وآلاف مؤلفة تنظر إليهم في “الإستاد” وملايين قابعة أمام التليفزيون تشاهد؛ فأي ممارسة رياضية للملايين وللآلاف.حقا من حق كل إنسان أن يعجب بشيء ما بشرط ألا يزيد عن حده؛ فكل شيء يزيد عن حده ينقلب إلى ضده. وأكثر المتعصبين مغالين؛ ليس في الدين فحسب؛ ولكن أيضا في المعارف الثقافية.ونقول لمحب كرة القدم: مارس اللعبة بنفسك هذا أهم وأفضل من مشاهدتها، وإذا شاهدتها وأنت معجب بها فإياك أن تضيع عليك وقت الصلاة، ولا تكن متعصبا فالتعصب للفكرة وللرأي وللناس أمر غير محمود.
وحين نوصف الواقع في المشجعين لكرة القدم خاصة؛ نجد ظاهرة التطرف واضحة. وهذه ظاهرة سلوكية اجتماعية لها امتداد كبير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
فالتطرف قد يكون في العاطفة، وقد يكون في السلوكِ، ونحن بحاجة إلى ثقافة الوسطية التي جاء بها الإسلام، ودعا إليها، قال تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا}. وفي الأثر: (أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما، وأبغض بغيضك هونا، عسى أن يكون حبيبك يوما ما). والإسلام دين الاعتدال أيضا، وهو يدعونا إلى الاعتدال في كل شيء، في الطعام والشراب، وافي السلوك، والعاطفة.
وفي تشجيع الرياضة نجد أصولا شرعية. فهذه السيدة عائشة، أم المؤمنين، تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن تشاهد الأحباش وهم يلعبون؛ والنبي يسمح لها بل ويرفعها فوق كتفه لتتمكن من المشاهدة بيسر، ويضل هكذا يتحملها حتى تستمتع وتحصل على كفايتها.
بل كان الناس يشاهدون بعض المسابقات الرياضية المشروعة كالخيل والرمي بالسهام وغيرهما. غير أن ضابط الأخلاق الذي ربى الإسلام الناس عليه؛ جعل سلوكهم معتدلا في كل شيء. ولهذا فإن منظومة الأخلاق في الإسلام قائمة على الاعتدال، ونلحظ هذا في القرآن الكريم: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا}، وغير ذلك من الآيات والأحاديث.
ولكي يصل الإنسان إلى الاعتدال في التشجيع والمشاهدة، فإن عليه أن يراعي عددا من الأمور منها :
- أن يدرك أن الهدف من المشاهدة؛ هو مجرد التسلية والترويح عن النفس، وأن التعصب في التشجيع يسوق إلى الحرام؛ من السب والشتم وغير ذلك؛ مما هو منهي عنه.
- أن التعصب لمشاهدة مثل هذه الألعاب يشغل المسلم عن أداء أشياء أكثر إفادة على المستوى الفردي والجماعي، كما أنه يعود بالضرر على نفسية الإنسان، مما يولد تعصبا ليس في التشجيع فحسب. ولكن في كثير من الممارسة اليومية في الحياة.
- أن يعود نفسه على ألا يكون أسيرا لشهوة، فيمكنه أن يتخلي عن المشاهدة في بعض الأحيان؛ وأن يعلم أن فوز فرق ما لا يترتب عليه كسب للإنسان؛ إنما هي حالة النشوة اللحظية، فلا نجعلها سببا في تقطيع الأوصال والروابط مع الناس.
- أن يعيد الإنسان ترتيب أولوياته، وأن يمارس بعض المشاهدات المباحة الأخرى؛ حتى لا يكون التشجيع الرياضي وحده هو الشغل الشاغل. وأن يسعى للممارسة العملية للرياضة؛ فذلك أفضل لجسمه من التركيز على المشاهدة فقط، وأن يسأل الله أن يعينه حتى يكون أسيرا لنفسه وهواه.
- الفهم السليم للتعاليم الدينية, وعدم ربط الأفعال العدوانية للمتعصبين بالدين.
- التعايش السلمي وتقبل الحوار بين الثقافات والأديان.
- التمسك بالحقوق التي تضمنتها المعاهدات جميعها.
- الاعتراف بالخطأ وتقبل النقد من الآخرين.
- مقاومة الإعلام المظلل.
- التعاون مع الآخرين والاستفادة مما عندهم من معارف وخبرات.
لذلك يجب على الجمهور الرياضي, التحلي بالأخلاق الحميدة واحترام الرياضة وعدم الإساءة إليها , والالتزام بالتشجيع الحضاري البعيد عن اى تعصب أعمى . فمن الواجب على كل إدارات الأندية والفرق المتنوعة وضع اللافتات قبل اى مباراة أو لقاء رياضي ,و أن توعى جمهورها ومشجعيها التوجيه الصحيح نحو المعنى الحقيقي لمفهوم الرياضة ومعنى أن تكون ذا روح رياضية عالية,هذا واجب وطني لابد أن يحتذي به كل جماهير الأندية الرياضية على مختلف انتماءاتها التنظيمية.
فالتسامح … كلمة جميلة باتفاق اللغات والأعراق والأمم كلها, ولذلك علينا أن لا نضع أيدينا على قلوبنا, وأن لا نخشى من طرح هذا الموضوع بل يجب ان نلح عليه لنكسب أنفسنا والآخرين التسامح… يعني الصفح عمن أخطأ عليك او تجاوز حده أو اختلف معك اختلافا غير أخلاقي, فالمفهوم بهذا الاعتبار قيمة أخلاقية عظمى وانتصار لروح الخير والأخلاق في النفس الإنسانية على روح الشر من الاستجابة لنزعات الشيطان ..التسامح …. هو أساس التعامل الذي يفترض أن يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض, أما الإصرار على رفض التسامح فهو إصرار على إلحاق الأذى بالنفس قبل الآخرين , وهو إصرار على المعاناة الشخصية في مواجهة قلب يموج بذكريات مؤلمة عن الآخرين…
ومن المشهور أن أصحاب الديانات من اليهودية والنصرانية والمجوس والصابئة عاشوا في ظل الحكم الإسلامي قرونا طويلة محفوظة كرامتهم مرعية ذممهم وعهودهم قرون,,, فأي قيمة عملية ونظرية أعظم من هذا التسامح الذي جسده الإسلام يقول الله تعالى :”فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون” خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين “فهذه معاني قرآنية محكمة من قطعيات الدين تدل على أن التسامح لغة إسلامية أصيلة ومعنى أخلاقي شرعه الإسلام وحث عليه قبل أن تولد فلسفة التسامح في الفكر الغربي الحديث ..لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم التسامح ويستعمله حتى مع المنافقين الذين يعرف أنهم كذلك ولما جاء رجل ورفع السيف على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني يا محمد؟؟, قال: الله, ثم سقط السيف من يده, فأخذه النبي وقال: من يمنعك مني الآن؟؟ قال: لا أحد,, فعفا عنه النبي وأخذه الى أصحابه وأخبرهم الخبر, فتعهد الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم ان لا يحاربه ولا يكون مع قوم يحاربونه,, فالتسامح أحرجه وأخذ منه كل قلبه فاذا أردت ان تعرف قيمة التسامح والصفح والعفو,,, تذكر الأخطاء التي وقعت منك تجاه الآخرين وحاجتك للعفو من الله عز وجل (ألا تحبون أن يغفر الله لكم) إن من المهم أن نتحدث عن التسامح مع الذين نتفق معهم وأيضا مع أولئك الذين نختلف معهم أو ننتقدهم فيجب أن نسامحهم أنت محتاج الى المسامحة من نفسك .. ومن الآخرين ,, وكثير من الناس يتألم لأخطائه الماضية ويظل يحملها فلا بد أن يكون متسامحا مع نفسه وقادرا على نسيان أخطائه الماضية ومسامحة كل الناس جرب أن تتصدق بعرضك عليهم فسوف تجد ان قلبك يتسع ويمتلئ بالسرور وسوف تتنفس الصعداء ولا تأنف من قولهم , فقد لا يقابلونك بالمثل وأن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا فلإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس كبير القوم من يحمل الحقدا.
هذا ملخص سريع لأهم الأحكام والآداب التي تتعلق بالممارسات الرياضية، يمكن أن نعتبرها برتوكولا للرياضيين على ضوء النصوص الشرعية والاجتهادات الفقهية المعاصرة للعلماء:
- حث الإسلام على ممارسة الرياضة النافعة للجسد وجعلها من الأعمال الفاضلة.
- ينبغي ممارسة الرياضة في غير إيذاء للغير، أو اللعب في أماكن حاجات الناس، أو في أوقات يحتاج الناس فيها إلى الراحة.
- لا يرضى الإسلام بالتحزُّب الممقوت، الذي فرَّق بين الأحبّة، وباعد بين الإِخوة، وجعل في الأمّة أحزابًا وشيَعًا، والإسلام يدعو إلى الاتّحاد، ويَمقُتُ النِّزاع والخلاف.
- لا يجوز إخراج الألفاظ النابية من فريق لآخر، وتكره التصرفات التي تقلل من كرامة الإنسان سواء أكانت في التشجيع أم في اللعب.
- يجب ألا تأخذ الرياضة حجما أكبر من حجمها، وألا تستغل لإلهاء الشعوب عن المطالبة بالإصلاح والتغيير.
- الانسحاب من بعض المسابقات لإعلان رفض الاحتلال واجب شرعي وهو من الأعمال الصالحة التي يثيب الله تعالى عليها.
- التشجيع النظيف الذي يقف عند حد الإعجاب للأندية مباح شرعا، أما التشجيع الذي يجر إلى التشاجر والسباب فمحرم شرعا.
- التعصب لبعض الفرق مذموم شرعا، وهو يسوق لارتكاب محرمات، كما يحدث نوعا من الاختلال في الأولويات.
- تجوز سجدة الشكر عند إحراز هدف أو فوز بل هى من الأمور المحمودة.
هل تريد السلام؟ التسامح هو طريق السلام هل تريد السعادة, والعقل الهادئ, وحسن الغاية والقيمة والجمال الذي يتخطى هذا العالم؟ هل تريد هدوءا لا يعرف الانزعاج، والرقة التي لايمكن أن تخدش, وراحة دائمة عميقة وسكينة دائمة لا تمس ؟التسامح هو طريقك إلى كل هذا.
الاستاذ المستشار :نعمان عبد الغني