1. مهنة التدريب في عصر العولمة, هواية أم احتراف
لازال أغلب مدربي الفرق الشعبية وخاصة لعبة كرة القدم, هم من المدربين الهواة والذين سبق وأن كانوا لاعبي منتخبات ودفعهم حبهم إلى لعبتهم إلى تجميع شباب الحارة أو المحلة وتدريبهم مجاناً وربما تطور الأمر إلى أن يدفع هؤلاء المدربين الهواة مبالغ من مالهم الخاص لتغطية نفقات الفريق من ملابس وتجهيزات.
وبدخول ثورة الاتصالات عصرها الذهبي وانتشار وسائل نقل المباريات من كل أنحاء العالم وبصورة شيقة, فقد أخذت الفرق الشهيرة تسعى إلى اجتذاب المدربين المشهورين وتدفع لهم مبالغ طائلة قد تتجاوز الملايين من الدولارات وانتظم مثل هؤلاء المدربين في روابط تحمي حقوقهم وأصبحت الآن مهنة التدريب ذات صفة احترافية بدون منازع وأضحى لكل مدرب سعره الخاص وغدت العولمة بكل مفاهيمها هي المسيطرة على مهنة التدريب الاحترافية, ولكن مع ذلك فان مهنة تدريب الفرق الرياضية ومدى قربها أو بعدها عن الهواية أو الاحتراف يتعلق بمدى انتشار اللعبة بين الجماهير فمدربي كرة القدم والسلة وألعاب القوى مثلاً لا يمكن مقارنتهم بمدربي ألعاب أو فعاليات أخرى من كثير من نواحي سواء المتعلق منها بالأجور أو السمعة أو جوانب أخرى.
عقود المدربين العالميين وصلت إلى الملايين وجعلت التدريب مهنة بلا منازع
2. هل كل لاعب سابق قادر على أن يصبح مدرباً ناجحاً؟ مارادونا مثالاً
لازالت مقولة “المدرب الناجح هو من كان لاعباً جيداً” تثير الكثير من الجدل بين المهتمين بمهنة التدريب فمن مؤيد لهذه المقولة إلى معارض لها. إن خير الأحكام هي من كانت من الواقع, حيث أن الحياة العملية لا تقبل الجدال غالباً.
فقد تولى النجم العالمي مارادونا مهمة تدريب منتخب بلاده وسط تشجيع واستحسان منقطع النظير إلا أن النتائج كانت مخيبة للتوقعات وأضطر إلى الانسحاب. في حين أن لاعبين سابقين نجحوا في مهنة التدريب والأسماء كثيرة.
لهذا فليس ضرورياً أن يكون المدرب لاعب منتخب سابق ولكنه بالضرورة يجب أن يكون قد مارس اللعبة لفترة من الزمن ويعرف قواعدها وأية تغيرات تصاحب تطورها أو ما يطرأ على قوانينها من تغيرات.
فشل ماردونا كمدرب سيبقى مثالاً على عدم وجوب أن يكون المدرب قد كان بمستوى النجومية في الملعب
3. العلاقة بين التحصيل الدراسي ومهنة التدريب
لا يختلف اثنان من أن القدرة الذهنية والتي هي ملازمة لمستوى التحصيل الدراسي, ضرورية جداً لمهنة التدريب الحديثة, فقد أضحت مهنة التدريب تتطلب معرفة ودراية تامة بالكثير من العلوم بدءاً من المعارف العلمية حول أصول التدريب البايوميكانيك والتشريح والفسيولوجي علاوة على كيفية التعامل مع الفريق ومعرفة تكنيك وتكتيك اللعب وكيف ومتى يتخذ القرار الصائب وأصول القيادة. فبعض منظمي الدورات التي تُعد المدربين يطلبون من المتقدمين حصولهم على مستوى دراسي معين. وهناك إحصائيات كثيرة تظهر بوضوح أن الكثير من اللاعبين والمدربين هم ذوي تحصيل دراسي عالي وهذه النسبة آخذة في الازدياد.
4. ما هي صفات المدرب الناجح؟
يمكن إجمالاً ذكر البعض من الصفات الأساسية التي يجب أن يمتلكها المدرب الناجح أو من يحب أن ينخرط في مهنة التدريب. فالتدريب أضحى فناً وعلماً بنفس الوقت ومن الضروري معرفة هدف العملية التدريبية , صحيح أن الهدف الأكبر هو تحقيق الفوز ولكن العملية التدريبية أيضاً هي ذات أهداف تربوية, فهي قيادة ناجحة بكل ما تعني القيادة الناجحة من مفاهيم ومتطلبات وتدريب اللاعبين على الاستثمار الأمثل لقدراتهم لتحقيق الفوز بطرق مقبولة أخلاقياً وكيفية التعامل الناجح مع الحدث أي مع المواقف الآنية أثناء وجود اللاعب في الملعب وكيفية التعامل مع الضغوط أو الإصابات أو تأثير الجماهير أو تأثيرات المناخ أو العوامل البيئية.
إن التدريب الحديث هو علماً وفناً ومتعلق بالكثير من العوامل
والجوانب التي ستذكر أدناه هي أهم هذه الصفات.
معرفة أصول وقواعد اللعبة:
من أجل أن يكون المدرب ناجحاً عليه أن يكون ذا إلمام تام بمبادئ اللعبة والجوانب المتقدمة والحديثة في تكنيك وتكتيك اللعبة وكيفية وضع البرنامج التدريبي السنوي وبما يتلاءم مع برنامج الاتحاد المحلي أو القاري أو الدولي.
إن التغيرات السريعة على قواعد وقوانين الألعاب الرياضية توجب على المدرب الناجح , متابعتها والإلمام بها جيداً
امتلاك معارف ومعلومات حديثة عن التدريب:
لقد تطورت مفاهيم وأسس التدريب الرياضي فالمدربين السابقين يعتمدون على خبراتهم الميدانية بينما المعارف والمعلومات الحديثة أظهرت نظريات ومفاهيم حديثة جداً واستخداماً واسعاً لجوانب التكنولوجيا الحديثة في الأدوات الرياضية ومعدات التدريب ووسائل العرض والتحليل الحركي علاوة على المعلومات الحديثة والتي تتوالى يومياً عن التغذية والمكملات الغذائية ووسائل العلاج الطبيعي.
القدرة على الإبداع:
أن المدرب الناجح هو من كانت لدية القدرة على الإبداع في الملعب أو مع اللاعبين الذين يقودهم وان يستطيع أن يغرس الثقة في نفوس لاعبيه من أنهم قادرين على الفوز وأن يكون تدريبهم في الوحدات التدريبية مبدعاً وذا طابع حماسي وان يشجع لاعبيه على الإبداع أو يعرض لهم حالات إبداعية من فرق أخرى وكيفية التعامل مع الفريق الخصم ودراسة أوضاعه النفسية وتكتيكاته مسبقاً.
الإبداع , موهبة يمكن أن تتطور وتستكشف آفاق جديدة وتحقق نتائج جيدة
المعرفة الجيدة لأعضاء الفريق من اللاعبين:
على المدرب الناجح أن يُقر بمبدأ الاختلافات الفردية بين اللاعبين وأن لكل حالة خصوصياتها وضرورة التعامل معها على انفراد, فالشدة مع بعض اللاعبين قد لا تنفع مع البعض ولكنها تبدو ضرورية جداً مع الآخرين.
إن إعطاء انتباه خاص لبعض اللاعبين أو لحالات معينة أمر ضروري جداً عند التعامل مع اللاعبين وعدم اللجوء إلى العقاب الجماعي أبداً.
الاتصال الفاعل مع اللاعبين:
إن معرفة فن الاتصال مع اللاعبين وحتى نبرة الصوت أو تعابير الوجه واستخدام إشارات اليدين هي من سمات المدرب الجيد. لهذا فعلى المدرب الجيد أن يكون قادراً على شرح ما يريده من اللاعبين بصورة واضحة وبدون الغاز أو لف ودوران مع استخدام التغذية الراجعة وإيراد الأمثلة الواقعية والتأكيد على الجوانب الأساسية المهمة.
معرفة اللاعبين جيداً وكيفية التعامل معهم وقدرتهم على فهم ما يريده المدرب, عوامل نجاح مؤكدة
المدرب الجيد مستمع جيد:
إن الاستماع الجيد إلى اللاعبين ومعرفة رأيهم بأسلوب التدريب وتوقيتات التدريب واحتياجاتهم الشخصية يمثل جانباً مهماً من الاتصال الفاعل مع اللاعبين. كما أن على المدرب أن يستمع إلى الملاحظات الآنية وأن لا يكتفي بالاستماع إلى الملاحظات وإنما يجب أن يتخذ إجراءات إيجابية بصددها وأن لا يبدي امتعاضاً من ملاحظات اللاعبين حتى ولو كانت قاسية بعض الأحيان فالأشجار الجيدة القوية هي التي تنحني أمام الرياح العاتية ولا تنكسر كما يقول المثل الشائع.
أن يكون المدرب الجيد مثالاُ في السيطرة على انفعالاته:
إن المواقف الآنية سواء في الملعب أو خارجه أو حتى في سكن اللاعبين وأثناء تنقلاتهم تستوجب من المدرب الجيد أن يسيطر على انفعالاته وأن يكون مثالاً في سلوكه وأن يتبع القوانين والأنظمة وألا يلجأ أبداً إلى المراوغة أو الغش في إعطاء المعلومات وخاصة المتعلقة بأعمار اللاعبين مثلاً أو فحوصات تناول المنشطات وغيرها.
إعطاء المثل الجيد في كل شيء من الملبس إلى الانضباط والالتزام يجعل من المدرب قدوة حسنة
المدرب الجيد هو من يمتلك الحيوية والثقة بالنفس والتفاؤل:
يجب ألا ينقل المدرب الجيد هموم عائلته اليومية أو متاعبه مع إدارة النادي إلى ساحة التدريب أو المباراة وألا يبدو محبطاً أو مكتئباً بل يجب أن يبدأ الوحدة التدريبية أو المباراة وهو بكامل حيويته ونشاطه, كذلك فأن التهيئة الجيدة للوحدة التدريبية أو المباراة من ناحية توفير المستلزمات والالتزام بالتوقيتات تعطي المدرب ثقة كاملة بالنفس وإيمان بالقدرة على الفوز وتحقيق نتائج جيدة.
إن الحيوية والثقة بالنفس تؤدي حتماً إلى أن تسود حالة من التفاؤل لدى كلاً من المدرب واللاعب بقدراتهم الذاتية وإمكانياتهم على أن يستثمروا كل الإمكانيات المادية والمعنوية المتاحة لتحقيق الفوز, فالتفاؤل عامل حاسم في النجاح.
الحيوية + الثقة بالنفس + التفاؤل = نجاح مؤكد
إعطاء مثل جيد في أسلوب القيادة:
المدرب الجيد يجب ألا يطلب من اللاعبين أبداء القدر العالي من الاحترام والانضباط بينهم وبين المدرب وهو لا يفعل ذلك وكذلك فأن تعاون اللاعبين مع بعضهم البعض ومع المدرب يجب أن يقابله تعاون المدرب بقدر كافي مع اللاعبين أي إن المدرب يجب أن يكون مثالاً يحتذي به وأن لا يطلب أموراً يصعب تحقيقها.
المدرب الجيد هو من يظهر أعلى درجات الالتزام:
هناك الكثير من الضوابط والتعليمات والقوانين التي تصدرها السلطات المسؤولة سواء إدارة النادي أو الإتحاد المحلي أو الإتحاد الدولي, أن الالتزام الصارم بهذه الضوابط والتعليمات والقوانين تسهم بصورة مباشرة في بناء سلوكية جيدة لدى اللاعبين وتزيد من إصرارهم على تحقيق الفوز وأن تتم الاستفادة من التراكمات الجيدة للصفات الفردية لدى اللاعبين وتجميعها سوية لتحقيق الفوز.
5. من هي الجهة المعتمدة في منح شهادات التدريب؟
بالنظر لكون مهنة التدريب أضحت ذات صفة احترافية وتدر الكثير من المبالغ المالية على من يحمل شهادات تدريب دولية أو لديه سجل من النجاحات المتعاقبة في تدريب الفرق الشهيرة, فقد كثرت وظهرت إلى العلن مؤسسات ومعاهد وجمعيات تُعد برامج لإعطاء شهادات تدريبية.
لكن الجهة الرسمية المعتمدة لإعداد دورات التدريب ومنح الشهادات المعتمدة هي الاتحادات الرياضية المعتمدة سواء كانت اتحادات محلية أو اتحادات قارية أو اتحادات دولية وهذه الدورات هي المعتمدة دولياً وغالباً ما تضم محاضرات نظرية وعملية يلقيها مدربين ذوي كفاءة وشهرة عالية وخبرة ميدانية ثم يتم إجراء اختبار في نهاية الدورة التي تستغرق ما بين أسبوع إلى أسبوعين وقد تزيد إلى أربعة أسابيع في بعض الأحيان علماً بأن الدورات التدريبية الحديثة أخذت تعتمد في الفترة الأخيرة في إيصال المعارف والمعلومات على الوسائل التعليمية الحديثة كالعرض الالكتروني والأفلام الفيديوية وغير ذلك من المستجدات التكنولوجية الحديثة التي تسهل انتقال المعلومات والإطلاع على الخبرات الميدانية.
رصانة الجهات التـي تصدر شهادات التدريب يحفظ مهنة التدريب من الدخلاء
هذا وهناك البعض من المؤسسات أو الجمعيات الرياضية المعتمدة, تمنح أيضاً شهادات تدريبية.
6. التحديات الحديثة التي تواجه مهنة التدريب
الكل يعرف أن كتابة التمرين أو الخطة التدريبية Exercise Prescription ليست بالأمر الهين, فالتمارين إذا كانت سهلة الأداء جداً فأن تأثيرها التدريبي يكون ضعيفاً بينما إذا كانت ذات أداء صعب جداً فأنها قد تؤدي إلى حدوث إصابات ومضاعفات لهذا فأن كتابة أي تمرين رياضي تتطلب معرفة, العمر, الجنس, الحالة التدريبية, العوامل البيئية والمناخية وغيرها من المؤثرات حتى تكون العملية التدريبية فاعلة كذلك فأن المعرفة المسبقة بتواريخ المباريات والتي يصدرها الإتحاد الرياضي المعني تساعد المدرب على توزيع الأحمال التدريبية على الفصول التدريبية السنوية إذ إن بعض الاتحادات الرياضية تتأخر في إعلان مواعيد بدء وانتهاء الدوري مما يسبب ارتباكاً لدى المدربين في توقيتات إجراء المباريات التجريبية أو معسكرات الإعداد التدريبي.
إن أكثر ما يقلق الحياة المهنية للمدربين هي تعاملهم مع متخذي القرار في الأندية الرياضية والمؤسسات , فأن قدرة المدرب على النجاح والبقاء في مهنته مربوطة بفوز الفريق الذي يدربه, وهناك أمثله صارخة على جهل متخذي القرار في تعاملهم مع المدربين ولا ننسى أبداً إلغاء عقود مدربين وهم في الملعب بعد خسارتهم فوراً ودون الاستماع إلى آراء اللاعبين وكذلك المدرب عن سبب الخسارة.
من المشاهدات المؤلمة, سماع عزل المدرب بعد خسارة الفريق مباشرة ودون سؤاله أو اللاعبين عن سبب الإخفاق
لهذا فقد تولد هناك جو من عدم الثقة بين المدربين وبين متخذي القرار في الأندية والمؤسسات الرياضية وأصبح الهدف الأول والأكبر للمدرب هو تحقيق الفوز حتى يضمن حصوله على مبلغ العقد الذي وقعه مع النادي أو المؤسسة الرياضية التي يعمل بها حتى وإن تطلب ذلك التجاوز على الضوابط أو التعليمات أو القوانين مما يشكل خرقاً لأخلاقيات المهنة، كذلك فأن تدخل الهيئات الإدارية للأندية في عمل المدربين يصل أحيانا الى طلبهم إقصاء لاعب معين لسبب ما أو إجبار المدرب على إشراك لاعب قد لا يرضاه المدرب لمستوى أداءه الغير جيد. لذا فإن استقرار عمل المدربين وعدم التدخل في شؤونهم التدريبية كفيل بإعطاء مهنة التدريب اعتبارها الجيد واحترام الجميع لها.
ترجمة واعداد: الاستاذ الدكتور صادق فرج ذياب الجنابي، عن: Elizabeth Quinn ، Your Guide to sports Medicine