ان للإعلام الرياضي دور في انجاح عملية إدارة الأزمات في المؤسسات الرياضية , لكون الاعلام له قواعده ونظرياته وأسسه وآلياته واستراتيجيته، لهذا حظى باهتمام القيادات العليا في أغلب المؤسسات الرياضية في جميع دول العالم, ومنها العراق.
إن تفاقم الأزمات في المؤسسات الرياضية العراقية وعلى كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية في العقود الأخيرة، يتطلب إبراز موضوع الإعلام الرياضي وادارة الأزمات، أو إعلام الأزمات الرياضي بكل وسائله التقليدية والجديدة، المقننة والبديلة، وبمستوياته المختلفة المحلية والإقليمية، والدولية الموجهة للآخر، خاصة في عصر الإعلام الفضائي والإعلام بلا حدود وإعلام الإنترنت كركن أساسي من أركان مواجهة الأزمة واحتوائها.
إن اعلام الأزمات الرياضي بدأت تهتم به أغلب المؤسسات الرياضية العراقية، كما حظى باهتمام قياداتها العليا,, و بدأت تحظى به المناظرات والمناقشات بين مرشحي ادارات الأندية والاتحادات الرياضية، وتعليقات وانتقادات وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية ومطالباتهما الملحة للإعلام الوطني بتحمل المسؤولية المهنية والأخلاقية والمجتمعية في مواجهة الأزمات ومعالجتها بلا تحيز أو التعامل بمكيالين، بما في ذلك معالجة أحداث وأعمال العنف، أو التطرف ، أو الخروج عن القانون، أو الأزمات المالية أو الأمنية وتفشى الفساد وغير ذلك.
وهكذا يتضح اتساع وتعدد مجالات إعلام الأزمات الرياضي (إعلام المواجهة وإعلام الطوارئ) مما يجعل من الأهمية بمكان تناوله من زاويا مختلفة، وهو ما يجعلنا نركز على دور الإعلام في مواجهة الأزمات في المؤسسات الرياضية العراقية على النقاط الآتية:
اولا: أهمية الإعلام أثناء الأزمات
ان التطور الهائل لإمكانيات وسائل الإعلام المختلفة التقليدية والجديدة، وتعاظم دور الإعلام الرياضي في التعامل مع الأزمات أصبح من الضروري الالتزام والاستناد في المعالجات الإعلامية للأزمات التي تواجه المؤسسات الرياضية العراقية على القواعد والأسس العلمية لإدارة الأزمة، أيًا كان مجالها، من جانب القائمين بالاتصال (إعلاميين أو سياسيين أو مسؤولين) ومن أهم هذه الأسس:
1- إن الإعلام الرياضي أصبح عبر وسائله المتعددة أداة التفاعل بين الأزمة والكثير من أطرافها وحتى من ليس طرفًا مباشرًا فيها، كما لم يعد ممكنًا التعتيم أو الصمت الإعلامي على الأزمات الرياضية مهما تفاوتت في حدتها أو حجمها، فعلى سبيل المثال، كان يمكن سابقا للقيادات عدم نشر المعلومات بشأن أية أزمة قد تقع في محيط مؤسساتهم الرياضية ، وقد أصبح إخفاء أو تجاهل أية أزمة حاليا أمراً شديد الصعوبة، وبالطبع فإن درجة الاهتمام الشعبي بأية أزمة رياضية تتفاوت من أزمة لأخرى، ولكن يظل لوسائل الاعلام الرياضي الدور الرئيس في التعريف بها والتفاعل مع مجرياتها.
2- ان عدم الانفراد بإدارة الأزمة إعلاميًا دون مشاركة جهات الاختصاص المسؤولة عن طبيعة الأزمة, يتطلب الإعداد الدقيق لإدارة الأزمة، وذلك بتقدير حجم وقوة وتأثير الإعلام المضاد داخليا أو خارجيًا.
إن التحرك الإعلامي الداخلي لاحتواء أي أزمة رياضية داخلية يكون في سياق التشاور مع الوزارات والهيئات والمؤسسات المعنية والخبراء ذوى الصلة. أما التحرك الإعلامي الخارجي يكون من خلال الخطاب على المستوى الخارجي الدولي.
3- الاعتراف بوجود أزمة، بمعنى عدم إنكارها وتوجيه الرسالة الإعلامية الصحيحة المتصلة بها، وذلك في قيام المسؤول الإعلامي أو المتحدث الرسمي بتحديد الأسئلة المتوقعة والإجابات المناسبة لها قبل بدء أي لقاء إعلامي، مع مراعاة أن التصريح لوسائل الاعلام بمعلومات أو بيانات غير صحيحة، أو التهرب أو الامتناع من الإجابة على أسئلة معينة يأتي بنتائج عكسية غير مرغوب فيها, لهذا فإن البحث عن حل أمثل أو على الأقل حل أفضل بين البدائل المتاحة هو أساس التسوية السليمة للأزمة.
4- رصد الدروس المستفادة من الأزمة قبل طي ملفها، لكونها تشكل تراكمًا معرفيًا لا غنى عنه لمواجهة أزمات المستقبل قبل أن تنشب وتستفحل، اضافة الى أن التراكم المعرفي بدوره يشكل مرجعيات لتدريبات الإعلاميين من واقع الخبرات المكتسبة.
ثانيا: تأثير الإعلام في أوقات الأزمة
تتم في أوقات الأزمات إعادة تشكيل للعلاقات بين المؤسسات الرياضية والحكومات والمواطنين، وقد أفرز ذلك ما يعرف بالتأثير لوسائل الإعلام في ادارة الأزمات الرياضية من خلال الآتي:
- سعي وسائل الإعلام الرياضي الدائم لجذب الجمهور وزيادة أعدادهم، من خلال تقديم أشكال متنوعة من القوالب الإعلامية، كبرامج حوارية لا تخلو من دلالات رياضية.
- صدق الجمهور الرياضي وثقتهم في صدق ما تقدمه وسائل الإعلام الرياضي من معلومات (مصداقية الوسيلة، مدى توافق ما تقدمه مع ميول الجماهير الرياضية واتجاهاتهم.
- الكم الهائل من الرسائل الإعلامية التي تقدمه وسائل الإعلام الرياضي يجعل البعض من الجماهير الرياضية غير قادرين على إدراك حقيقة الموقف، إلا من خلال ما تطرحه تلك الوسائل باستثناء الأشخاص ذوى المعرفة والوعى المرتفع، الذين يكونون أكثر قدرة على فهم وتحليل ونقد ما تقدمه لهم تلك الوسائل.
ان ظهور وانتشار وسائل الإعلام الرياضي الجديدة أسهمت في تجميع الأشخاص ذوى الاهتمامات المشتركة، ووجد البعض فيها وسيلة للتنفيس عن اتجاهاتهم، بينما اكتفى البعض الآخر بمراقبة ومتابعة الأحداث من خلالها دون مشاركة فعالة في النقاشات.
هذا بالإضافة الى مساهمة شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التفاعلية في التعبئة وفهم الأحداث الرياضية الذي شهدها العراق في السنوات الأخيرة, مما هدد بشرعية بعض المؤسسات الرياضية ، والإطاحة بأنظمتها وقياداتها.
إن المعالجات التي تحدثها برامج التليفزيون الرياضية لمواجهة الأزمات التي تواجه المؤسسات الرياضية العراقية , هي في التأثير المدروس في انشطتها الرياضية وفي صنع القرار , و اللامبالاة , و التسويق الرياضي , اضافة الى أن تأثير البرامج الرياضية الحوارية في منظومة المعرفة الرياضية والقيم المجتمعية للمتابعين لها بشكل مكثف ,وفي تكوين صورة ذهنية سلبية لدى الجمهور الرياضي عن أنفسهم ومؤسساتهم ومشكلاتهم, وكذلك عدم التوازن في تناول الموضوعات السلبية والإيجابية مقابل التركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات.
اما التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي فتتلخص في إثارة واعادة توجيه الرأي العام وتشتيته ,و التشويه الرياضي الإلكتروني, والتسويق الرياضي, و دعم “الأنا” لدى الفئات المهمشة، وتعزيز مفهوم المواطنة الافتراضية لديهم، وتوطيد العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، وتعزيز رأس المال الاجتماعي بين الجماهير الرياضية وتعبئتهم .
وفي ظل شمول البيئة الإعلامية لأكثر من نمط من وسائل الإعلام ما بين التقليدي منها والجديد، ظهرت إشكالية جديدة في مجال الإعلام لإدارة الأزمات الرياضية، وهي في التساؤل عن العلاقة بين وسائل الإعلام الجديدة والتقليدية وبين التكاملية أو المنافسة في أوقات الأزمات والأحداث الرياضية الساخنة, فالآراء اختلفت في هذا الشأن؛ فالبعض يرى أن العلاقة بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة صارت علاقة تكاملية، بينما يرى البعض الآخر أن مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الجديدة لها الكثير من الخصائص التي تجعلها أفضل من الوسائل التقليدية، لكونها تتميز في السرعة، وإخفاء شخصية المستخدم، ورفع سقف الحرية في التعبير عن الرأي، وإتاحة متابعة الجمهور الرياضي ، والسعي لإشباع المزيد من الرغبات وتلبية احتياجاتهم واندماجهم المستخدم بين المشاهدة، وكتابة التعليقات عن ما يشاهده عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في أوقات الأزمات التي تواجه المؤسسات الرياضية العراقية.
إن الدراسات التي تناولت نشاط الجماهير الرياضية على مواقع التواصل الاجتماعي و أثناء مشاهدة برامج التليفزيون الرياضية ادت إلى الانفعالات (الحزن، والفرح، الغضب ,و التواصل مع المجتمع, و التعبير عن الآراء, و الحصول على المعلومات وتبادلها, ومحاولة جذب الانتباه.
اما مصداقية وسائل الاعلام أثناء الأزمات التي تواجه المؤسسات الرياضية العراقية, فتزداد أهميتها بوجه خاص أثناء الأزمات؛ حيث تحتاج هذه الوسائل إلى أداء من نوع خاص، مهنيًا وأخلاقيًا ووطنيًا، انطلاقًا من بعض المداخل والنظريات التي تستند إلى المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، وممارسة الإعلام لدور المحامي عن كل الفئات دون تهميش أو إهمال للفئات المهمشة، بما يوفر حق المعرفة الشاملة والكاملة والمتعمقة والتعبير عن الذات بحرية بعيدًا عن سياسة الصمت الإعلامي تجاه مشاكل البعض أو واقعهم، بالإضافة إلى تنشيط الجهات ذات الصلة للقيام بواجباتها ومسؤوليتها، والقدرة على توسط العلاقة بين الأفراد وصناع القرار، وتفعيل الحق في الاتصال بمفهومه الشامل الحق في أن يعلم الجميع وأن يُعلم عن نفسه بحرية.
ولكى تحقق وسائل الإعلام الرياضي الأدوار المرجوة منها من قبل كافة الأطراف على النحو الأمثل، لابد أن يتسم الأداء بمزيد من المصداقية، من خلال التزامها بعدد من الضوابط التي تحكم دورها في إدارة الأزمات، ومنها:
- الفورية في نقل الأزمة، والتعريف بها وإمداد الجمهور بالحقائق التفصيلية أولًا بأول.
- العمق والشمول في تغطية جوانب الأزمة المختلفة.
- ضبط النفس والتعامل بموضوعية مع أجهزة الرأي العام.
- الاعتراف بالأخطاء التي قد تحدث أثناء التغطية الاعلامية، والرجوع والاعتماد على المصادر الأصيلة.
إن إدراك تحقيق المصداقية لدى الجماهير والنخب الرياضية باختلاف مجالاتها ليس بالأمر السهل، وخاصة خلال الأزمات التي تطول مدتها، كما أن وجود قانون للمعلومات يرتب الحصول عليها وتبادلها يعد البوابة الرئيسة لتحقيق إعلام يسهم في مواجهة الأزمات، وليس إعلامًا يؤدى إلى اختلاق أزمات أو التهويل من بعضها.
- وختاما فإن هناك قواعد لإدارة الأزمات التي تواجه المؤسسات الرياضية العراقية على القيادات الادارية والفنية القيام بها لأجل النجاح في تجاوزها واهمها: تحمل القيادات الادارية والفنية المسؤولية بصدر رحب.
- تحديد المهام الفعلية للعمل الرياضي على وفق التفريق بين الإعلام السلبى والأزمة الحقيقية .
- استعمال البحوث العلمية واستطلاع الآراء لتحديد أسلوب مواجهة الأزمات.
- البحث عن آخرين وشاركهم في التحدث بالنيابة.
- التعامل بحذر مع وسائل الإعلام كشركاء وليس كأعداء.
- توقع الشكوى والتقاضي عنها.
- تابع وحلّل عن قرب ما ينشر في وسائل الإعلام الرياضي.
- أبرز تعاطفًا واهتمامًا وتفاعلًا مع الحدث الرياضي والجماهير.
- اتخاذ أقصى حدود الجدية والاهتمام من الوهلة الاولى .
- ابدأ برنامج إدارة الأزمة عن طريق بناء ركائز وأصول سمعة المؤسسة الرياضية في غضون الأزمة.
- ليكن هدفك دائمًا من التناول الإعلامي على كافة مستوياته لأى أزمة مساعدة المؤسسة الرياضية في مواجهتها والتغلب عليها، وغرس قيم الصمود وروح الأمل وليس الإحباط أو تقسيم وتفتيت الأعضاء المنتمين لها
ا. د. محمود داود الربيعي/ كلية المستقبل الجامعة/ قسم التربية البدنية وعلوم الرياضة – العراق