الرياضة النسوية العراقية … الواقع والمأمول

المقدمة

ان قضية تحرير المرأة العراقية من قيود التقاليد والعادات ومحاولة تعزيز مكانتها وادماجها في الحياة العامة للمجتمع ترتبط ارتباطا عضوياً بمشكلات التنمية الشمولية المتكاملة التي يعيشها المجتمع ، فالتغير في سلوك المرأة التقليدية يرتبط بنوعية تطلعاتها نحو ذاتها اذ غالباً ما تكون المرأة المتحررة اكثر ميل للاضطلاع بمسؤوليات جديدة ترشحها لدورها من المرأة ذات التطلعات الذاتية المحافظة ، كما وان دورها يتأثر بالبنى الاجمالية والاوضاع التي يعاني منها المجتمع والخروج من هذه الوضعية لا يمكن ان ينجح ما لم تساهم الجهات ذات العلاقة بإتاحة الفرص امام المرأة للمشاركة في مختلف الميادين والمجالات ومنها الرياضة النسوية بمختلف انشطتها.
ان مساهمة المرأة العراقية في النشاطات الرياضية النسوية لمدة من الزمن غالباً ما تتجه للحفاظ عليه اذ يصعب عليها بعد ذلك تغيير نمط حياتها وهي بذلك لا تعزز ذاتها بل تساهم ولحد كبير في ترسيخ تطلعات الاخرين نحوها وينسحب هذا في اوضاعها على الرغم من التباين في طبيعة العوامل التي تجتذبها للاستمرار بهذا النشاط ، وإن وجود تباينات واضحة في الفرص المتاحة امام المرأة للمشاركة في النشاطات الرياضية والتي تشترك بعضها البعض بملامح عامة على الرغم من اختلافها في بعض الخصائص، فأن الحقائق تشير الى ان نسب المشاركات بشكل عام ما زالت متدنية عن غيرها.
وتأتي أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية لكونها اليد الطولى في تكوين شخصية المرأة بما تحمله من قيم وعادات وتقاليد وتراث شعبي وحقوق وواجبات وضبط اجتماعي، وكذلك العوامل الثقافية المتعلقة بوعي المرأة والتعليم والصحة والمساهمة في مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني وأثرها في تكوين شخصيتها فضلاً عن تباين دور المرأة في المجتمع.
ومن المؤكد ان المرأة تتقدم بصورة واضحة مع زيادة التقدم الاجتماعي ويتضح ذلك من خلال التعمق في دعم توجه المرأة العراقية في المساهمة الفاعلة في النشاطات الرياضية.
ومن هذا المنطلق وجب التركيز على مفاهيم جديدة واقتراح وسائل واجراءات تساعد على دعم مساهمة المرأة العراقية في الرياضة النسوية وجعلها انماطاً يعزز نظرتها لذاتها ويساهم في ترسيخها وينسحب على اوضاعها ونظرة المجتمع لها وبهذا نستطيع ان نحقق ما نسعى اليه من اهداف وغايات.

المشكلة

ان قضايا المرأة تمثل احد أهم المحاور في المناقشات السياسية والاجتماعية والثقافية والرياضية في اغلب المجتمعات ، على الرغم من اختلاف الرؤى الفكرية حول طبيعة التعامل مع قضايا المرأة بين المجتمعات المختلفة . الا ان المرأة العراقية لا تزال احدى الدعامات الاساسية التي لا يمكن التخلي عنها لبناء المجتمع ,الا ان البعض ينظر الى المرأة نظرة متدنية, كان لها دور كبير في اثارة اهتمام الكثير من الباحثين والمختصين لدراسة هذه المشكلة والتي تمحورت حول قضية المرأة ودورها في المساهمة بالنشاطات الرياضية ومدى شرعيته ، الا ان اهمال هذا الجانب او عدم الاهتمام ببعض المواضيع المهمة ذات العلاقة بقضايا المرأة في بناء شخصيتها وتكوينها هو الذي دفعنا الى دراسة واقع الرياضة النسوية العراقية ومسببات الانحدار الذي اصابها نتيجة الاهمال وعدم الاهتمام من قبل معظم المسؤولين ,وعلى الرغم من ذلك فإن المرأة الرياضية التي دخلت هذا العالم الواسع لتضفي إليه جمالا إلى جمال وإنجازا إلى إنجاز ، كانت تمر تحت ضغوط عديدة جعلتها تترك الرياضة وتقبع ساكنة في البيت خوفا من العيون التي كانت تتحرك في الساحات والملاعب والقاعات لتختار إحداهن بطلة بدون بطولة.

الرياضة النسوية العراقية

ان الرياضة النسوية العراقية لم تكن وليدة الصدفة ، بل شهد لها التاريخ وخط لها صفحات واسعة ، وهنالك الكثير من رائدات الحركة الرياضية على مر السنين اثبتن جدارتهن ومقدرتهن على مواكبة التطورات الرياضية وخوض غمار المنافسة في معظم الألعاب الرياضية وبالتالي تكونت فرق أندية ومنتخبات لتمثلها في المحافل القارية والدولية إلا أن الحركة الرياضية النسوية تأثرت في ذات الوقت من القرن الماضي بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت عائقا امام تطورها، وعادت الحركة الرياضة النسوية في القرن الواحد والعشرين إلى الظهور والانتعاش من جديد ولكن ليس بالقدر المطلوب وليس بما كنا وزلنا نطمح إليه لعدة عوامل كان لها الدور الأكبر في التأثير على مسيرتها ومع مجمل الصعوبات والمعوقات التي واجهت الحركة النسوية الرياضية عادت وخرجت للنور من جديد فبدأت تسلك مسارا هاما في التطوير وبدأت الفرق الرياضية لمختلف الألعاب في طور الإعداد استعدادا لأي استحقاق محلي كان أو خارجي وبدأت الفرق الرياضة التي تشكلت بالاهتمام والتركيز على إبراز المواهب بين اللاعبات بالرغم من كافة الصعوبات التي تعترضهم على كافة التوجهات والمسارات ،الا ان الرياضة النسوية بحاجة إلى رعاية واهتمام أكثر أسوة بباقي الرياضيين وبحاجة إلى دعم المؤسسات الرياضية والوطنية والاتحادات الرياضية .

معوقات الرياضة النسوية

ان المرأة الرياضية العراقية تعاني من العديد من المعوقات والمشاكل التي تعترض طريقها من اجل العودة الكاملة إلى الرياضة وما زالت هناك بقية من أفكار تنظر إلى المرأة الرياضية نظرة غير ايجابية، وهذا ما يدفع البعض ليس للوقوف في وجه المرأة الرياضية فحسب بل منعها بالقوة من ممارسة الرياضة.
ان الرياضة النسوية العراقية تشكو من معوقات عديدة تحد من انطلاقتها وبينها عدم الاهتمام بالقاعدة الأساسية وفسح المجال لأكبر عدد ممكن من النساء أو الفتيات لممارسة الرياضة ، ولم يكن هناك أيضا أي دور للاتحادات النسوية والمدارس والمعاهد وعدم الاهتمام بهذا الجانب من الأساس ,اضافة الى ان واقع الرياضة النسوية غير مشجع ولم تجد المرأة أي تشجيع على ممارسة الرياضة ,لذا وجب أن تكون هناك مدارس رياضية نسوية لبناء قاعدة صحيحة لمختلف الفئات العمرية حتى نتمكن من الوصول إلى المستويات التي وصلت لها دول العالم الأخرى.
ان الرياضة شيء أساسي في حياتنا اليومية ولا يوجد فرق بين النساء والرجال لكن مع الأسف الشديد يختلف الوضع تماماً عندنا, بحيث لا توجد أي اهتمامات بالرياضة النسوية من أية جهة من الجهات لذلك بدأت تنحسر تدريجياً فهي تحتاج إلى وعي والى برنامج متكامل لكي ترتقي إلى مستوى يؤهلها لأخذ موقعها المناسب بانطلاقة تضعنا في الطريق القويم نحو رياضة نسوية متطورة تليق بنسائنا بعيداً عن الهموم وما يحيط بها من مشاكل وصعوبات وإدراكا أو خشية منا في احتمال وتأويل معنى التطور بهذا القطاع الرياضي والذي سيضيف زخماً قوياً نحو صياغة قرارات ومقترحات ومشاريع وأفكار بناءة بكل واقعيتها وفعاليتها ستصب في معرفة أسباب عزوف المرأة العراقية عن ممارسة النشاطات الرياضية ووضع الحلول لهذا العزوف وتوسيع دائرة المشاركة والوقوف الى جانب المرأة من اجل تجاوز الجوانب السلبية المؤثرة في تخلف الرياضة النسوية والعمل بشكل جماعي وخاصة في وزارة الشباب والرياضة واللجنة الاولمبية العراقية كونها المؤسسات المسؤولة عن تطوير الرياضة عموماً وبالتعاون مع الجهات ذات العلاقة.
ولابد من احترام خصوصية المرأة العراقية في ممارسة الرياضة بتوفير أماكن لايمكن للمرأة أن تظهر فيها علانية من خلال اندية نسوية خاصة تدار من مدربات متخصصات والتأكيد على الجانب الشمولي للرياضة النسوية وتوفير الأجواء الملائمة لها فإننا نطمح إلى ممارسة حق الرياضة للجميع والتي تعني الترويح عن النفس والحفاظ على اللياقة البدنية والرشاقة التي تعتبر من ضروريات المرأة في عصرنا الراهن.
ولابد لنا أن نؤكد على الرياضة كوسيلة من وسائل مواجهة العنف الذي استشرى نتيجة الظروف المعروفة ليس من خلال القوة البدنية ولكن من خلال ماتعنيه مفاهيم الرياضة من ألفة ومحبة وصداقة وسلام. وبذلك نعمل على تماسك المجتمع ونبذ حالات الكراهية والعدوانية والانتقام فالرياضة رسالة محبة وسلام. والسعي لدعوة كل الجهات الأخرى في بناء رياضة نسوية متطورة تحقق للمرأة طموحها وهذا يأتي من خلال تحقيق الوعي المطلوب وتشجيع المرأة وتأكيد دورها بعيدا عن التحجيم والتهميش والعمل على تهيئة كل المستلزمات والبنى التحتية بما يساعد على تحقيق رياضة نسوية متطورة تليق بنسائنا.
وهنالك هيئات تحت مسميات متعددة تعني بشؤون المرأة فبعض الدول انشأت اتحادا يعنى برياضة المرأة اضافة لرابطة المرأة الرياضية في العديد من الدول، في الوقت التي اهتمت دول عبر كل اتحاد لعبة بتطوير رياضة المرأة ، الا ان واقع الرياضة النسوية العراقية بحاجة لإعادة ترتيب بحيث تتلقى الدعم الكافي من الجميع لإثبات حضورها في المحافل الدولية وليس فقط عبر الالعاب الفردية بل الجماعية.
ان الرياضة النسوية العراقية تعاني من إهمال كبير بسبب يأس القائمين عليها من تشكيل فرق متطورة لاصطدامهم بالبيئة الاجتماعية، ولغياب القدرة على المنافسة أثناء مواجهة فرق دول محترفة ومعتنى بها.. ما يهدد باختفائها, نتيجة الفساد المالي والاداري لمعظم المؤسسات و اللجان النسوية في الاتحادات الرياضية العراقية، فهناك مسؤولين يزجون بلاعبات في الأندية النسوية من معارفهم وأقربائهم بالغش والتزوير، لدرجة أنهم أدخلوا نساء غير رياضيات في بطولة الفئات العمرية بغاية توفير فرص للسفر بحجة الاشتراك في البطولات الخارجية”، و أن “العقود الموقعة من قبل الأندية مع اللاعبات غير منصفة، والأندية لا تعطي اللاعبات مستحقاتهن المالية كل شهر، فضلاً عن أن المسؤولين في الأندية ويصرفون الأموال على البطولات، من دون اهتمام بالتدريب والتأهيل المتواصلان.
ان الاهتمام باللاعبات الرياضيات وإدخالهن أكثر من دورة واشاركن في البطولات. الرياضة النسوية يجب ان تحظى باهتمام كبير من دورات تطويرية ودورات تحكيمية، لكن المرأة العراقية مظلومة ولا يوجد تشجيع لها، لدرجة أن هنالك من يرى بأن كرة القدم النسوية محرمة. وأن معظم المؤسسات الرياضية العراقية تفتقر لوجود البنى التحتية من قاعات رياضية وتجهيزات، فضلا عن صعوبة الحصول على الموافقات لحجز القاعات الرياضية وغياب دعم الاتحادات للاعبات من خلال تنظيم المنافسات، ودعم الفرق النسوية, إذ لا يوجد نادٍ يتحمل مسؤولية فريق نسوي، من تدريب ونقل ورواتب الجهاز الفني حينما لا يكون هناك مردود مادي من بيع التذاكر , مما ادى الى عدم وجود رياضة نسوية ناجحة لعدم وجود نساء قادرات على أن يرتقين إلى مستوى الرياضيات الماهرات، إلى جانب تأثرهن بالظروف الاجتماعية التي لا تسمح بمشاركة النساء، فضلاً عن أن معظم الجهات المعنية غير مهتمة بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، لذا لايمكن للنساء العراقيات منافسة نساء الدول الاخرى التي تمتلك إمكانات رياضية.
ان الرياضة النسوية العراقية تمر من منعرجات مختلفة، فبينما كانت قد نجحت في بعض الفترات نتيجة الانفتاح الاجتماعي والاهتمام والدعم المعنوي وتوفير الفرص الأنسب والتشجيع بهدف تحقيق الإنجازات والمكاسب، الا ان هناك امور عطلت مسيرة الإنجاز وبالتالي أصاب جسد الرياضة النسوية في صميمه، ثم انعدمت الإنجازات بسبب قلة الدعم وغياب فرص المشاركات. هذا بالاضافة الى عدم وجود رؤية شاملة تشخص الخلل وتضع خارطة طريق وبرنامج عملي أنسب لرأب التصدعات التي تعاني منها الرياضة النسوية العراقية ، التي يفترض أن يبدأ الاهتمام بها من المدارس والمعاهد والجامعات، مروراً بتنشيط منتديات الشباب فالأندية..

المقترحات

  1. التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالرياضة بضرورة تخصيص ملاعب وساحات للفرق الرياضية النسوية ومواصلة الاهتمام بها.
  2. العمل على ان تكون الاندية الرياضية والمدارس والجامعات مكانا رحبا لتنظيم الفعاليات الرياضية النسوية بأشراف ملاكات متخصصة وفق خطط مدروسة ودعمها ماديا ومعنويا.
  3. التوسع في المهرجانات والسباقات الرياضية النسوية واستنفار وسائل الاعلام للتعريف بها والعمل على تطوير اساليب تقديمها بما يتماشى مع طبيعة وظروف النساء
  4. التأكيد على ان المساهمة بالفرق الرياضية النسوية ,هي عملية تربوية بأبعادها مما ينبغي تنمية الوعي بأهميتها وضرورتها للنساء بشكل خاص والمجتمع بشكل عام
  5. الاهتمام بالرياضة النسوية في مراحل التعليم المختلفة لقدرتها الاسهام في تحقيق العديد من الاهداف التربوية والاجتماعية والخلقية والصحية والجمالية وزيادة الكفاءة فيتحمل الاعباء الدراسية وفهمها.
  6. العمل على زيادة الروابط مع عوائل المشاركات في الفرق الرياضية النسوية ,ودعوتهم لمشاهدة الانشطة الرياضية وديمومة العلاقة لدعم هذا التوجه.

ا. د. محمود داود الربيعي/ كلية المستقبل الجامعة/ قسم التربية البدنية وعلوم الرياضة – العراق

شاركونا تعليقاتكم حول الموضوع،،